معاني أسماء الله الحسنى............موضوع هام لكل مسلم و مسلمة

[gdwl]يرجى من الأعضاء الكرام عدم وضع أية ردود حتى أنتهي من الموضوع بإذن الله تعالى و سيكون الموضوع متجدد بإذن الله تعالى[/gdwl]

و نبدأ الموضوع بإذن الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

الله:-

كلمة "إلاه" تعني: معبود .. وهي اسم مشتق من الفعل (أله) بالفتح .. فكل ما اتخذه الناس معبوداً منذ القدم يصح أن يطلق عليه اسم (إلاه) فمن الناس من اتخذ الشمس إلهاً .. أي: معبوداً، ومنهم من اتخذ النار إلهاً، ومنهم من اتخذ القمر إلهاً، ومنهم من اتخذ البقر إلهاً. وكلمة (إلاه) قد تطلق ويراد بها معناها فقط .. أي: (معبود) كما في قوله تعالى: " فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ .. (59) " (سورة الأعراف)
وقوله تعالى: " الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ..COLOR=red[/COLOR] " (سورة الأعراف)

وقوله تعالى: " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) " (سورة التوبة)
فالحق سبحانه وتعالى يؤكد في هذه الآيات أنه لا معبود إلا هو تبارك
وتعالى. وقد تطلق كلمة (إلاه) ويراد بها: الحق عز وجل، كما في قوله
تعالى:"أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) " (سورة ص) فكلمة size=x-large في هذه الآية تعني: "معبوداً"، وفي نفس الوقت يراد بها: الحق عز وجل. فإذا انتقلنا إلي لفظ الجلالة (الله) .. هل هو لفظ مشتق من الفعل size=x-large أم غير مشتق؟ قيل: إنه اسم مشتق من نفس الفعل (أله)، وأنه هو نفسه الاسم المشتق (إلاه) ودخلت عليه الألف واللام وحذفت الهمزة للتخفيف، وقيل: إنه غير مشتق، وإنما أطلقه الله عز وجل للدلالة على ذاته العلية. ولكننا نقول: إن لفظ الجلالة (الله) سواء أكان مشتقاً أم غير مشتق، فإنه علم على واجب الوجود .. أي: علا الحق تبارك وتعالى بذاته وأسمائه وصفاته دون سواه من المعبودات الباطلة. إن العلم إذا
أطلق وأريد به مسمى معيناً .. فإنه (أي: العلم) ينحل عن معناه الأصلي
ويصبح علماً على مسماه .. كما إذا أطلقت على زنجية اسم (قمر) .. فالقمر
بالنسبة لهذه الزنجية قد انحل عن معناه الأصلي، وصار علماً عليها. فلفظ
الجلالة (الله) ورد في القرآن الكريم حوالي ألفين وسبعمائة مرة لم يرد
خلالها هذا اللفظ إلا للدلالة على ذات الحق جل وعلا، ولم يستخدم
للدلالة على أي معبود آخر من المعبودات الباطلة مثل: الشمس أو القمر أو
النار أو البقر أو عيسى بن مريم. كما أن الله تبارك وتعالى لم يستخدم
لفظ الجلالة كوصف من الأوصاف مثل سائر الأسماء، وإنما استخدمه ليدل
عليه بذاته وأسمائه الأخرى وصفاته دلالة علمية. فإذا أراد أن يصف نفسه
بوصف معين، أو ينسب إلي نفسه فعلاً معيناً، أتى بلفظ الجلالة (الله)
كعلم عليه، ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد .. كما تقول أنت ـ (احمد وقور مهذب).
يقول الحق جل وعلا: " وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) " (سورة البقرة) ويقول جل
وعلا: " وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) " (سورة البقرة)
ويقول عز وجل: " فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) " (سورة البقرة)
فلفظ الجلالة صار علماً على الذات الإلهية العلية .. علماً على الحق ـ جل وعلا ـ ليدل عليه بذاته وأسمائه وصفاته دلالة علمية، ولا يستخدم للدلالة على غيره من المعبودات الباطلة، وهو الاسم الأعظم الذي حوى
جميع كمالات صفاته، والذي ليس له فيه سمى أي: شريك في نفس الاسم. والحق
جل وعلا حين أنزل القرآن، أنزله مقروناً باسم الله سبحانه وتعالى ..
وهي أن تكون البداية باسم الله. إن أول الكلمات التي نطق بها الوحي
لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت:" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) " (سورة العلق) وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون هي باسم الله .. ونحن الآن نقرأ القرآن بادئين نفس البداية. ولكن هل نحن
مطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن باسم الله؟ .. كلا .. إننا مطالبون
أن نبدأ كل عمل باسم الله؛ لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. إنك
حين تبدأ كل شيء بسم الله الرحمن الرحيم .. فإنك تجعل الله في جانبك
يعينك. ومن رحمته تبارك وتعالى أنه علمنا أن نبدأ كل شيء باسمه تعالى؛
لأن "الله" ـ كما قلنا ـ هو الاسم الجامع لكل صفات الكمال والفعل عادة
يحتاج إلي صفات متعددة ..
فأنت حين تبدأ عملا تحتاج إلي قدرة الله وإلي قوته وإلي عونه وإلي
رحمته .. فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالاسم الجامع لكل
الصفات لكان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها، كأن نقول باسم
الله القوي، وباسم الله الرزاق، وباسم الله المجيب، وباسم الله القادر،
وباسم الله النافع .. إلي غير ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن
نستعين بها .. ولكن الله تبارك وتعالى يجعلنا نقول: "بسم الله الرحمن
الرحيم" .. الاسم الجامع لكل هذه الصفات. على أننا لابد أن نقف هنا عند
الذين لا يبدأون أعمالهم باسم الله .. وإنما يريدون الجزاء المادي
وحده.إنسان غير مؤمن لا يبدأ عمله بسم الله .. وإنسان مؤمن يبدأ كل عمل
وفي باله الله .. كلاهما يأخذ من الدنيا لأن الله رب للجميع .. له عطاء
ربوبية لكل خلقه الذين استدعاهم للحياة .. ولكن الدنيا ليست هي الحياة
الحقيقية للإنسان .. بل الحياة الحقيقية هي الآخرة .. الذي في باله
الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء البربوبية .. بقدر عطاء الله في الدنيا ..
والذي في باله الله يأخذ بقده عطاء الله في الدنيا والآخرة .. ولذلك
يقول الحق تبارك وتعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) " (سورة سبأ) لأن المؤمن يحمد الله على نعمه في الدنيا .. ثم يحمده عندما ينجيه من النار
والعذاب ويدخله الجنة في الآخرة .. فلله الحمد في الدنيا والآخرة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم
الله الرحمن الرحيم أقطع" ومعنى أقطع أي مقطوع الذنب أو الذيل .. أي
عمل ناقص فيه شيء ضائع .. لأنك حين لا تبدأ العمل بسم الله قد يصادفك
الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل لك ..
وحين لا تبدأ العمل ببسم الله .. فليس لك عليه جزاء في الآخرة فتكون قد
أخذت عطاءه في الدنيا .. وبترت أو قطعت عطاءه في الآخرة .. فإذا كنت
تريد عطاء الدنيا والآخرة. أقبل على كل عمل بسم الله .. قبل أن تأكل قل
بسم الله لأنه هو الذي خلق لك هذا الطعام ورزقك به .. عندما تدخل
الامتحان قل بسم الله فيعينك على النجاح .. عندما تدخل إلي بيتك قل بسم
الله لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت .. عندما تتزوج قل بسم الله لأنه
هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك .. في كل عمل تفعله ابدأه بسم الله
.. لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى .. فأنت لا تستطيع
أن تبدأ عملا يغضب الله ببسم الله.
وكما ينبغي على المسلم المؤمن أن يجعل لسانه رطباً ببسم الله .. ينبغي
عليه أيضاً بحمد الله عز وجل؛ لأنه تبارك وتعالى محمود لذاته ومحمود
لصفاته، ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته، ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه،
الله محمود قبل أن يخلق من يحمده. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل
الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد لله.
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات وساعات .. تعد
كلمات الشكر والثناء، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس. حتى تصل إلي قصيدة
أو خطاب ملئ بالثناء والشكر. ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته
نعمه لا تعد ولا تحصى، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله ..
ولعلنا نفهم أن المبالغة في الشكر للبشر مكروهة لأنها تصيب الإنسان
بالغرور والنفاق وتزيد العاصي في معاصيه .. فلنقلل من الشكر والثناء
للبشر .. لأننا نشكر الله لعظيم نعمه علينا بكلمتين هما: الحمد لله،
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد. فلو أنه تركها دون
أن يحددها بكلمتين .. لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة
المناسبة ليحمدوا الله على هذا الكمال الإلهي .. فمهما أوتي الناس من
بلاغة وقدرة على التعبير. فهم عاجزون على أن يصلوا إلي صيغة الحمد التي
تليق بجلال المنعم .. فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو
يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري عن حمد كمال
الألوهية لله، فقال: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد
بلا تحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير.
فهذا أمي لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها
الله. وهذا عالم له قدرة على التعبير يستطيع أن يأتي بصيغة الحمد بما
أوتي من علم وبلاغة. وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد .. طبقا
لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة
الحمد له .. فيعلمنا في أول كلماته في القرآن الكريم .. أن نقول "الحمد
لله" ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستوي المتعلم وغير
المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام.
ولذلك فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا.
فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم،
فخلق لنا السماوات والأرض وأجد لنا الماء والهواء. ووضع في الأرض
أقواتها إلي يوم القيامة .. وهذه نعمة يستحق الحمد عليها لأنه جل جلاله
جعل النعمة تسبق الوجود الإنساني، فعندما خلق الإنسان كانت النعمة
موجودة تستقبله. بل أن الله جل جلاله قبل أن يخلق آدم أبا البشر جميعا
سبقته الجنة التي عاش فيها لا يتعب ولا يشقى. فقد خلق فوجد ما يأكله
وما يشربه وما يقيم حياته وما يتمتع به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق
.. وحينما نزل آدم وحواء إلي الأرض كانت النعمة قد سبقتهما. فوجدا ما
يأكلانه وما يشربانه، وما يقيم حياتهما .. ولو أن النعمة لم تسبق
الوجود الإنساني وخلقت بعده لهلك الإنسان وهو ينتظر مجيء النعمة.
بل أن العطاء الإلهي للإنسان يعطيه النعمة بمجرد أن يخلق في رحم أمه
فيجد رحما مستعدا لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل. فإذا خرج إلي
الدنيا يضع الله في صدر أمه لبنا ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أن يشبع.
وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة. ويجد أبا وأما يوفران له
مقومات حياته حتى يستطيع أن يعول نفسه .. وكل هذا يحدث قبل أن يصل
الإنسان إلي مرحة التكليف وقبل أن يستطيع أن ينطق: "الحمد لله".
وهكذا نرى أن النعمة تسبق المنعم عليه دائما .. فالإنسان حيث يقول
"الحمد لله" فلأن موجبات الحمد ـ وهي النعمة ـ موجودة في الكون قبل الوجود الإنساني.
والله سبحانه وتعالى خلق لنا في هذا الكون أشياء تعطي الإنسان بغير
قدرة منه ودون خضوع له، والإنسان عاجز عن أن يقدم لنفسه هذه النعم التي
يقدمها الحق تبارك وتعالى له بلا جهد.
فالشمس تعطي الدفء والحياة للأرض بلا مقابل وبلا فعل من البشر، والمطر
ينزل من السماء دون أن يكون لك جهد فيه أو قدرة على إنزاله. والهواء
موجود حولك في كل مكان تتنفس منه دون جهد منك ولا قدرة. والأرض تعطيك
الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه .. فالزرع ينبت بقدرة الله.
والليل والنهار يتعاقبان حتى تستطيع أن تنام لترتاح، وأن تسعى لحياتك
.. لا أنت أتيت بضوء النهار، ولا أنت الذي صنعت ظلمة الليل، ولكنك تأخذ
الراحة في الليل والعمل في النهار بقدرة الله دون أن تفعل شيئاً.
كل هذه الأشياء لم يخلقها الإنسان، ولكنه وجدها في الكون تعطيه بلا
مقابل ولا جهد منه!
ألا تستحق هذه النعم أن نقول: الحمد لله على نعمة تسخير الكون لخدمة الإنسان؟
وآيات الله سبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد .. فالحياة التي وهبها
الله لنا، والآيات التي أودعها في كونه تدلنا على أن لهذا الكون خالقاً
عظيماً .. فالكون بشمسه وقمره ونجومه وأرضه وكل ما فيه مما يفوق قدرة
الإنسان، ولا يستطيع أحد أن يدعيه لنفسه، فلا أحد مهما بلغ علمه يستطيع
أن يدعي أنه خلق الشمس، أو أوجد النجوم، أو وضع الأرض، أو وضع قوانين
الكون، أو أعطى غلافها الجوي، أو خلق نفسه، أو خلق غيره.
هذه الآيات كلها أعطتنا الدليل على وجود قوة عظمى، وهي التي أوجدت وهي
التي خلقت .. وهذه الآيات ليست ساكنة، لتجعلنا في سكونها ننساها، بل هي
متحركة لتلفتنا إلي خالق هذا الكون العظيم.
فالشمس تشرق في الصباح فتذكرنا بإعجاز الخالق، وتغيب في المساء لتذكرنا
بعظمة الخالق .. وتعاقب الليل والنهار يحدث أمامنا كل يوم علمنا نلتفت
ونفيق .. والمطر ينزل من السماء ليذكرنا بألوهية من أنزله .. والزرع
يخرج من الأرض يسقي بماء واحد، ومع ذلك فإن كل نوع له لون وله شكل وله
مذاق وله رائحة، وله تكوين يختلف عن الآخر، ويأتي الحصاد فيختفي الثمر
والزرع .. ويأتي موسم الزراعة فيعود من جديد.
كل شيء في هذا الكون متحرك ليذكرنا إذا نسينا، ويعلمنا أن هناك خالقاً
مبدعاً .. وأنه لا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الكون أو خلق شيئا مما
فيه .. فالقضية محسومة لله.
(والحمد لله) لأنه وضع في نفوسنا الإيمان الفطري، ثم أيده بإيمان عقلي
بآياته في كونه.
كل شيء في هذا الكون يقتضي الحمد، ومع ذلك فإن الإنسان يمتدح الموجود
وينسى الموجد .. فأنت حين ترى زهرة جميلة مثلاً، أو زهرة غاية في
الإبداع .. أو أي خلق من خلق الله، يشيع في نفسك الجمال تمتدح هذا
الخلق .. فتقول: ما أجمل هذه الزهرة، أو هذه الجوهرة، أو هذا المخلوق!!
ولكن المخلوق الذي امتدحته، لم يعط صفة الجمال لنفسه .. فالزهرة لا دخل
لها أن تكون جميلة أو غير جميلة، والجوهرة لا دخل لها في عظمة خلقها ..
وكل شيء في هذا الكون لم يضع الجمال لنفسه، وإنما الذي وضع الجمال فيه
هو الله سبحانه وتعالى، فلا نخلط ونمدح المخلوق وننسى الخالق .. بل قل:
الحمد لله الذي أوجد في الكوم ما يذكرنا بعظمة الخالق ودقة الخلق.
ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد، فهو تبارك وتعالى أنزل
منهجه ليرينا طريق الخير، ويبعدنا عن طريق الشر.
فمنهج الله عز وجل الذي أنزله على رسله قد عرفنا أن الله تبارك وتعالى
هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا .. فدقة الخلق وعظمته تدلنا على عظمة
خالقه، ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو، ولا ماذا يريد منا، ولذلك
أرسل الله رسله، ليقول لنا: إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو الله
تبارك وتعالى، وهذا يستوجب الحمد.
ومنهج الله يبين لنا ماذا يريد الحق منا، وكيف نعبده .. وهذا يستوجب
الحمد، ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لنا أسلوب حياتنا
تشريعاً حقاً .. فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا .. ولا يفضل
أحداً على أحد إلا بالتقوى، فكلنا خلق متساوون أمام عدله المطلق. إذن:
فشريعة الحق، وقول الحق، وقضاء الحق هو من الله، أما تشريعات الناس
فلها هوى، تميز بعضاً عن بعض .. وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للآخرين، ولذلك
نجد في كل منهج بشرى ظلماً بشرياً.
ولكن الله سبحانه وتعالى يعطينا ولا يأخذ منا، عنده خزائن كل شيء
مصداقا لقوله جل جلاله: " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) " (سورة الحجر)
فالله سبحانه وتعالى دائم العطاء لخلقه، والخلق يأخذون دائماً من نعم
الله، فالعبودية لله تعطيك ولا تأخذ منك شيئاً، وهذا يستوجب الحمد..
والله سبحانه وتعالى في عطائه يجب أن يطلب منه الإنسان، وأن يدعوه، وأن
يستعين به، وهذا يستوجب الحمد؛ لأنه يقينا الذل في الدنيا. فأنت إن
طلبت شيئاً من صاحب نفوذ، فلابد أن يحدد لك موعداً أو وقت الحديث ومدة
المقابلة، وقد يضيق بك فيقف لينهي اللقاء .. ولكن الله سبحانه وتعالى
بابه مفتوح دائماً .. فأنت بين يديه عندما تريد، وترفع يديك إلي السماء
وتدعو وقتما تحب، وتسأل الله ما تشاء، فيعطيك ما تريده إن كان خيراً لك
.. ويمنع عنك ما تريده إن كان شراً لك.
والله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد حينما يطلب منك أن تدعوه، وأن تسأله
فيقول: " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) " (سورة غافر)
ويقول سبحانه وتعالى: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) " (سورة البقرة)
والله سبحانه وتعالى يعف ما في نفسك، ولذلك فإنه يعطيك دون تسأل، واقرأ
الحديث القدسي:
يقول رب العزة: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
والله سبحانه وتعالى عطاؤه لا ينفذ، وخزائنه لا تفرغ، فكلما سألته جل
جلاله كان لديه المزيد، ومهما سألته فإنه لا شيء عزيز على الله سبحانه
وتعالى، إذا أراد أن يحققه لك .. واقرأ قول الشاعر:
حسب نفسي عزا بأني عبد هو فـي قدســه الأعـــز ولكــن
يحتفي بي بلا مواعيد رب أنا ألقي متى وأين أحب
إذن: عطاء الله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد .. ومنعه العطاء يستوجب
الحمد.
ووجود الله سبحانه وتعالى الواجب الوجود يستوجب الحمد .. فالله سبحانه
يستحق الحمد لذاته، ولولا عدل الله لبغى الناس في الأرض وظلموا، ولكن
يد الله تبارك وتعالى حين تبطش بالظالم تجعله عبرة .. فيخاف الناس
الظلم .. وكل من أفلت من عقاب الدنيا على معاصيه وظلمه واستبداده سيلقى
الله في الآخرة ليوفيه حسابه .. وهذا يوجب الحمد .. أن يعرف المظلوم
أنه سينال جزاءه فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه أن هناك يوما سيرى فيه ظالمه
وهو يعذب في النار .. فلا تصيبه الحسرة، ويخف إحساسه بمرارة الظلم حين
يعرف أن الله قائم على كونه لن يفلت من عدله أحد. وعندما نقول: (الحمد
لله) فنحن نعبر عن انفعالات متعددة .. وهي في مجموعها تحمل العبودية
والثناء والشكر والعرفان .. وكثير من الانفعالات التي تملأ النفس عندما
تقول: (الحمد لله) كلها تحمل الثناء العاجز عن الشكر لكمال الله وعطائه
.. هذه الانفعالات تأتي وتستقر في القلب .. ثم تفيض من الجوارح على
الكون كله.
فالحمد ليس ألفاظاً تردد باللسان، ولكنها تمر أولاً على العقل الذي يعي
معنى النعم .. ثم بعد ذلك تستقر في القلب فينفعل بها .. وتنتقل إلي
الجوارح فأقوم وأصلي لله شاكراً ويهتز جسدي كله، وتفيض الدمعة من عيني،
وينتقل هذا الانفعال كله إلي من حولي.
ونحاول توضيح ذلك..
هب أنني في أزمة أو كرب أو موقف سيؤدي إلي فضيحة .. وجاءني من يفرج
كربي فيعطيني مالاً أو يفتح لي طريقاً .. أول شيء أنني سأعقل هذا
الجميل، فأقول: إنه يستحق الشكر .. ثم ينزل هذا المعنى إلي قلبي فيهتز
القلب إلي صانع هذا الجميل .. ثم تنفعل جوارحي لأترجم هذه العاطفة إلي
عمل جميل يرضيه، ثم أحدث الناس عن جميله وكرمه فيسارعون إلي الالتجاء
إليه، فتتسع دائرة الحمد وتنزل النعم على الناس .. فيمرون بنفس ما حدث
لي فتتسع دائرة الشكر والحمد..
والحمد لله تعطينا المزيد من النعم مصداقاً لقوله تبارك وتعالى: " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) " (سورة إبراهيم)
وهكذا نعرف أن الشكر على النعمة يعطينا مزيداً من النعمة .. فنشكر
عليها فتعطينا المزيد، وهكذا يظل الحمد دائماً والنعمة دائمة.
إننا لو استعرضنا حياتنا كلها .. نجد أن كل حركة فيها تقتضي الحمد،
عندما ننام ويأخذ الله سبحانه وتعالى أرواحنا، ثم يردها إلينا عندما
نستيقظ، فإن هذا يوجب الحمد، فالله سبحانه وتعالى يقول: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) " (سورة الزمر)
وهكذا فإن مجرد أن نستيقظ من النوم، ليرد الله علينا أرواحنا يستوجب
الحمد، فإذا قمنا من الفراش فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطانا القدرة
على الحركة والنهوض، ولولا عطاؤه ما استطعنا أن نقوم .. وهذا يستوجب
الحمد..
فإذا تناولنا إفطارنا، فالله هو الذي هيأ لنا من فضله هذا الطعام، فإذا
نزلنا إلي الطريق يسر الله لنا ما ينقلنا إلي مقر أعمالنا، وإذا تحدثنا
مع الناس فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى ألسنتنا القدرة على النطق
بما وهبه الله لنا من قدرة على التعبير والبيان، وهذا يستوجب الحمد.
وإذا عدنا إلي بيوتنا، فالله سخر لنا زوجاتنا ورزقنا بأولادنا، وهذا يستوجب الحمد.
إذن: فكل حركة في حياة في الدنيا من الإنسان تستوجب الحمد، ولهذا لابد
أن يكون الإنسان حامداً دائماً، بل إن الإنسان يجب أن يحمد الله على أي
مكروه أصابه؛ لأن الشيء الذي يعتبره شراً يكون عين الخير، فالله تعالى
يقول: " فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) " (سورة النساء)
إن من البشر من إذا تحدثت عنه قدر ما استطعت لن توفيه حقه وتعرف له
قدره كأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، فماذا إذا كان الحديث عن الله جل وعلا؟
سوف يتحدث المتحدثون عن الحق تبارك وتعالى حتى تقوم الساعة، ومع ذلك
فسوف يظلون في إطار قوله تعالى: " مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) " (سورة الحج)
وقوله تعالى: " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) " (سورة الزمر)

رد: معاني أسماء الله الحسنى..............هامة لكل مسلم و مسلمة

الرحمن الرحيم:-
color=black اسم مشتق من الفعل (رحم)، والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف [/color]

والشفقة، وتراحم القوم أي رحم بعضهم بعضا والرحم القرابة.

الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مشتق من الرحمن وهو اسم مختص

بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره، فقد قال عز وجل:
( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ) معادلا بذلك اسمه الرحمن بلفظ الجلالة الذي لا يشاركه

فيه أحد، ورحمن على وزن فعلان وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة والزيادة

في الصفة.

و(الرحيم) .. اسم مشتق أيضا من الفعل رحم .. والرحمن الرحيم من صيغ

المبالغة .. يقال راحم ورحمن ورحيم .. فإذا قيل راحم فهذا يعني أن فيه

صفة الرحمة .. وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة، وإذا قيل رحيم فهي

أيضا مبالغة في الصفة، والله سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.

ولا يظن أحد أن صفات الله سبحانه وتعالى تتأرجح بين القوة والضعف،

وإياك أن تفهم أن الله تأتيه الصفة مرة قليلة ومرة كثيرة، بل هي صفات

الكمال المطلق .. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات. اقر قول الحق

تبارك وتعالى: "
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ "(سورة النساء ـ40)

هذه الآية الكريمة .. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى ثم تأتي الآية

ونلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة (ظلام) .. أي شديد الظلم. ويظن البعض

أن قول الحق سبحانه وتعالى: (ليس بظلام) لا تنفي الظلم ولكنها تنفي

المبالغة في الظلم. نقول لهؤلاء: أنكم لم تفهموا المعنى الصحيح؛ لأن

الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا. فالآية الأولى نفت الظلم عن الحق

تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد.

والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق

الله .. فلو أصاب كل واحد منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد

الهائلة، فإن الظلم يكون كثيرا جدا، ولو أنه قليل في كميته؛ لأن عدد من

سيصاب به هائل. ولذلك فإن الآية الأولى نفت الظلم عن الله سبحانه

وتعالى، والآية الثانية نفت عنه الظلم أيضا .. ولكن صيغة المبالغة

استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.

نأتي بعد ذلك إلي (رحمن و رحيم).

رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين تشملهم رحمته فيها، فرحمة الله في

الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهم ولا

يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير. إذن

عدد الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلق الله بصر النظر عن

إيمانهم أو عدم إيمانهم، ولكن في الآخرة الأمر مختلف، فالله رحيم

بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركون مطرودون من رحمة الله. إذن الذين

تشملهم رحمة الله في الآخرة أقل عددا من الذين تشملهم رحمته في الدنيا

.. فمن أين تأتي المبالغة؟

تأتي المبالغة في العطاء وفي الخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة

اكبر كثيرا منها في الدنيا .. المبالغة هنا بكثرة النعم وخلودها ..

فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة في الآخرة بخصوصية

العطاء وكثرة النعم والخلود فيها. والرحمة الإلهية تشمل ثناياها العديد

من الصفات، فمن رحمة الله تبارك وتعالى أنه الغفار .. الوهاب .. الرزاق

.. الشكور .. الكريم .. الواجد .. التواب .. العفو .. الهادي. ورحمة

الحق جل وعلا تغمر المخلوقات جميعا منذ أن خلقها وإلي أن نقف بين يديه،

فيدخلها جنته أو يذيقها عذابه. وإذا تأملنا الكون المحيط بنا تجلت لنا

رحمة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة ....

فالحق تبارك وتعالى كان رحيما بنا حين خلقنا من العدم المطلق، ودون أن

يكون لنا سابقة وجود، ودون أن نطلب منه ذلك، وكيف نطلب ولم نكن ساعتئذ

شيئا مذكورا كما قال جل وعلا: "
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) " (سورة الإنسان)

وكان رحيما بنا حين أعد لنا هذا الكون الفسيح، موفرا لنا كل مقومات

الحياة من قبل أن نظر في مرآة الوجود. فالشمس تحافظ على بعد ثابت من

الأرض، وهذا البعد الثابت يضمن لنا قدرا ثابتا من الحرارة .. لا يزيد

فتقتلنا الحرارة، ولا ينقص فتقتلنا البرودة، والهواء يحيط بنا ويحوي

الأوكسجين اللازم لعملية التنفس وأكسدة المواد الغذائية كي تنطلق

الطاقة التي تكفل للجسم القيام بوظائفه، والماء الذي يمثل معظم مساحة

الكرة الأرضية بما له من وظائف غير محصورة في جسم الإنسان، هذا فضلا عن

استخدامه في الطهارة التي تقي الإنسان شر الأمراض والآفات.

ومن رحمته عز وجل أنه جعل في الهواء من الخاصية ما يمكنه من حمل الطيور

الطبيعية والصناعية وهي الطائرات التي ابتكرها الإنسان في العصر

الحديث! وجعل في الماء من الخاصية ما يمكنه من حمل السفن العملاقة التي

تحمل الناس بأمتعتهم مئات بل آلافا من الأميال إلي أماكن لم يكونوا

بالغيها إلا بشق الأنفس أو غير بالغيها أبدا. فالحق جل وعلا كان يعلم

أزلا أن الأرض سوف تعمر بنسل آدم وسيصبح من الضروري أن تستجد وسائل

مواصلات أكثر قوة وسرعة تسهل عليه التنقل عبر المسافات المتباعدة،

فلولا الطائرات والسفن ما كان الإنسان ليصل إلي الأمريكتين أو إلي قارة

أستراليا مثلا .. وما كان التعامل بين دول العالم ليصل إلي ما وصل إليه.

إن مرحلة إعداد الكون لم تكن مصورة فقط على توفير مقومات الحياة

البدائية التي عاشها الإنسان في بدء الخليقة .. بل إن الحق جل وعلا قد

وضع في الكون عناصر ومواد، وهو يعلم أن استخدامها سيحين بعد آلاف أو

ملايين من السنين حينما يزحف العمران على سطح الكرة الأرضية. خذ على

سبيل المثال عنصر البترول الذي يمثل أهم مصادر الطاقة والذي تستخدمه

الطائرات والسيارات والماكينات المختلفة في دورتها الحركية.

انظر إلي سائر العناصر التي استخدمها الإنسان في صناعة المبتكرات

الحديثة .. هل وجدت هذه العناصر في باطن الأرض بمحض الصدفة .. إنه

الجهل بعينه أن نتصور كما تصور الشيوعيون أنها موجودة بالصدفة المحضة

.. لأن الحقيقة التي قررها القرآن الكريم ويقبلها العقل وتطمئن لها

الفطرة السليمة .. هي أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه العناصر،

فقد قال جل وعلا: "
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) " (سورة الزمر)

وبعد أن خلقها ادخرها في باطن الأرض حتى يمكن الإنسان من الاستفادة بها

في وقت الحاجة إليها .. وحتى يستطيع بنو آدم التواؤم مع الظروف الجديدة

والمتمثلة في زيادة أعدادهم وانتشارهم عبر جميع بقاع الكرة الأرضية.

وإذا تساءلنا: هل كان الإنسان ليستطيع أن ينتقل بين أماكن بينها آلاف

الأميال لولا وسائل المواصلات الحديثة؟ وهل كان يستطيع الاتصال بأبناء

جنسه المقيمين بالأقطار المختلفة لولا أجهزة الاتصال السلكية

واللاسلكية؟

بالطبع ما كان الإنسان ليستطيع ذلك لولا وسائل المواصلات وأجهزة

الاتصال .. وما كان أيضا ليستطيع أن يتوصل إلي هذه الاختراعات المبتكرة

لولا وجود هذه العناصر التي تدخل في تكوينها .. والتي أعدها الله جل

وعلا برحمته سلفا وادخرها في باطن الأرض حتى يحين وقت استخدامها. وبعد

أن أعد لنا عز وجل هذا الكون، أعد لنا في بطون أمهاتنا رحما رحيما بنا

يأتينا فيه الرزق .. بلا حول ولا قوة .. رزقا منه تبارك وتعالى بلا تعب

ولا مقابل .. ويقول عز وجل في الحديث القدسي:

(أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن

قطعها قطعته).

ومن رحمته جل وعلا أنه ينبت لنا من الأرض الجدباء طعاما نأكله وفي ذلك

يقول تبارك وتعالى: "
فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) "

(سورة الروم )

ومن رحمته أنه جعل لنا الليل سكنا لنجد فيه الراحة والسكينة بعد عناء

العمل، وجعل لنا النهار للسعي والعمل واكتساب القوت فقال عز وجل: "
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) " (سورة القصص)

ومن رحمته أنه أرسل الرسل بالرسالات السماوية إلي الناس كافة ليخرجهم

من الظلمات إلي النور، وأرسل رسوله محمدا عليه افضل الصلاة وأتم

التسليم خاتم الأنبياء والمرسلين بالهدى ودين الحق ليكون رحمة

للعالمين، فيقول تعالى: "
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) " (سورة الأنعام)

ويقول سبحانه: "
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) " (سورة الأعراف)

ويقول عز وجل: "
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) " (سورة الأعراف) فالقرآن الكريم الذي أنزل على خاتم النبيين

والمرسلين هو الرحمة العظمى التي جاد بها الله عز وجل على بني آدم،

فمنهم من قبلها ومنهم من أعرض. القرآن الكريم هو الذي أخرج المؤمنين من

ظلمات الجهل إلي نور الإيمان، ونقلهم من العقائد الواهية التي بنيت على

الوهم والظن إلي عقيدة قويمة بنيت على اليقين الذي لا يقبل الشك. فمن

آمن بالقرآن الكريم واتبع أوامره وانتهى عن نواهيه كان له نورا وشفاء

ورحمة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: "
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) " (سورة النحل)

ويقول سبحانه: "
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ " (سورة
الإسراء ـ 82)
ويقول تبارك وتعالى: "
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) " (سورة الأعراف)

ويقول الحق سبحانه: "
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) " (سورة لقمان)

ويقول جل جلاله: "
فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ " (سورة الأنعام ـ
157)
ومن رحمته جل وعلا أنه بين لنا موجبات رحمته، وعرفنا السبيل إلي

استجلابها، فقال تعالى: "
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " (سورة الأعراف ـ 56)

فأوضح بذلك أن رحمته تبارك وتعالى تكون قريبا من عباده المؤمنين به،

الطائعين له .. فهؤلاء يتغمدهم برحمته .. فينجيهم من كروب الدنيا

ويبعثهم يوم القيامة .. يوم الفزع الأكبر .. آمنين. ألم ينج الله عز

وجل هودا عليه السلام من قوم عاد بعد أن كفروا بما جاءهم من عقيدة

التوحيد واتهموه بالسفاهة وكادوا يفتكون به وبمن اتبعه من المؤمنين؟

وفي ذلك يقول عز وجل: "
فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) " (سورة الأعراف)

وصالح عيه السلام حين أمر قومه ألا يقربوا الناقة وأن يذروها تأكل في

أرض الله ولا يمسوها بسوء فعقروها فأصابتهم الصيحة ونجى الله صالحا ومن

آمن معه، وفي ذلك يقول جل وعلا: "
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) " (سورة هود)

كما قال عز وجل عن شعيب عليه السلام: "
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) " (سورة هود)

ولعلنا لا ننسى في هذا المدار أهل الكهف وكيف أن الله تبارك وتعالى قد

جعلهم عبرة ودليلا على أن الإيمان القويم المصحوب بالصدق في القول

والعمل يستجلب رحمة الله لتغمر المؤمن به الملتزم بطاعته ولتجعل له

الصعب سهلا. إن قصة أهل الكهف .. هي قصة كل قوم يفرون من الطغاة الذين

يحاولون حملهم قسراً على الكفر بالله .. فيفروا بدينهم .. لقد اختبأ

الفتية في كهف. إن الله سبحانه وتعالى يصفهم في كتابه الكريم بقوله:

"
إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) " (سورة الكهف ـ من الآية 13)

وبهذه الصفة علمنا أن أهل الكهف .. لم يكونوا من الشيوخ الضعفاء أو

مجموعة من النساء .. إنما هم فتية .. أي فيهم شباب وفتوة، وأنهم آمنوا

بربهم .. أي أنهم فتية مؤمنون بالله .. وأن الله سبحانه وتعالى ـ لما

آمنوا به ـ زادهم إيمانا وهدى من عنده .. فالله جل جلاله يزيد المؤمن

إيمانا .. ويعينه على الطريق مادام إيمانه صحيحا وقويا .. مصداقا لقول

الحق سبحانه وتعالى: "
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) " (سورة محمد)

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أنه يعين المؤمن على طريق

الإيمان فيزيده من فضله. هؤلاء الفتية خافوا على دينهم وخافوا على

عقيدتهم من أن يجبرهم حكامهم على عبادة غير الله .. ففروا بدينهم إلي

كهف في الجبل .. يختبئون فيه من الطغاة الكفرة .. والكهف مكان ضيق ..

لا يستطيع الإنسان أن يمضي فيها إلا وقتا قصيرا .. واقرأ قول الحق جل

وعلا: "
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) " (سورة الكهف)

الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نعلم .. أن هذا الكهف الضيق الذي ـ

بكفرنا البشري وتفكيرنا المادي ـ نظن أنه سيضيق عليهم مكانا بمساحته

الصغيرة .. وزمانا بأنه لا أحداث فيه .. هذا الكهف إن ضاق عليهم مساحة،

فلن يضيق عليهم أنعاما .. فرحمة الله سبحانه وتعالى ستجعل هذا المكان

الضيق يبدو رحبا واسعا .. فلا يحسون بضيق المكان والزمن يتوقف فيه فلا

يحسون بضيق الزمان .. بل تأتي رحمة الله لتحيط بهم.

إن هذا يلفتنا إلي أن كل من يفر بدينه .. إلي مكان غير الذي يقيم فيها،

ومهما كان هذا المكان ضيقا فإن الله برحمته يجعله واسعا رحبا. فإن كان

هذا المكان فيه ضيق في الرزق .. فتح الله للمستمسك بدينه من أبواب

الرزق ما يجعله أغنى الأغنياء. وإذا كان هذا المكان يضيق بالغرباء ..

أي لا يرحب فيه بغريب .. وضع الله من رحمته في قلوب سكان هذا المكان ما

يجعلهم أشد الناس ترحيبا به. وإن كان هذا المكان ضيقا بمن فيه أي

مزدحما أوجد الله له مكانا متسعا يعيش فيه.

لقد غمر الله أهل الكهف برحمته مكافأة لهم على الفرار بدينهم .. فلم

يجعلهم يفكرون في أنهم مضطهدون حتى لا يعيشوا في قلق ورعب من أن يلحق

بهم الطغاة الكفرة، أو يكتشفوا مخبأهم، كما أزال من حياتهم هم البحث عن

الطعام والشراب؛ لأن عملية البحث كانت ستعرضهم لظروف قاسية كل يوم ..

هي أن يخرج أحدهم من الكهف ليأتي لهم بطعام وشراب، وهو يتلفت حوله خوفا

من أن يراه أحد أعوان الطغاة، فيرشدهم إلي الكهف .. أو أن يتتبعه أحد

فيكشف سرهم .. لذلك ألقى عليهم (أمنه نعاسا) أي ألقى عليهم النوم في

الكهف .. فلا يشعر بهم أحد، ولا يشعرون بالوقت .. ولا يحتاجون إلي طعام

وشراب.

وهكذا نجاهم الله برحمته من كل ضيق دنيوي .. فلا هم أحسوا بضيق المكان،

ولا أحسوا بملل الزمان، ولا أحسوا بقلق توقع الخطر، ولا أحسوا بضيق

حياتهم .. بل الله تبارك وتعالى برحمته المطلقة اذهب الضيق تماما ..

وكانت هناك آيات بقدرة الله تولتهم بعنايته ورحمته. ونبي الله أيوب

عليه السلام حين اشتد عليه البلاء فالتزم الصبر ولم يخرج عن حدود

الإيمان القويم فغمره الله برحمته ورفع عنه البلاء وأعاده إلي حال أحسن

من حاله قبل البلاء.

وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: "
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) " (سورة الأنبياء)

ويقول جل وعلا عن إدريس وإسماعيل وذا الكفل عليهم وعلى نبينا افضل

الصلاة وأتم التسليم: "
وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ " (سورة الأنبياء)

ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين الطائعين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم

من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأنفسهم .. وقد رأينا ذلك في قصة العبد

الصالح والجدار والتي قال عنها المولى عز وجل: "
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) " (سورة الكهف)

إن الآيات القرآنية الكريمة التي جعلت الإيمان بالله تبارك وتعالى

وطاعته سببا لاستجلاب رحمته عديدة .. فقد قال جل وعلا: "
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) " (سورة آل عمران)

وقال جل شأنه: " يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) " (سورة المؤمنون)

وقال سبحانه وتعالى:"
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) " (سورة الحجرات ـ 10)

ولعل في سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم خير دليل على

العلاقة الوطيدة بين إيمان العبد ودخوله في رحمة الله. فنبينا عليه

الصلاة والسلام لا يضاهي في كمال إيمانه وشدة طاعته والتزامه. ولذلك

كان صلى الله عليه وسلم مشمولا برعاية الله ورحمته في كل لمحة ونفس منذ

أن شرف الوجود بمولده وإلي أن لقى ربه عز وجل .. ألم تشمله الرحمة

الإلهية في الغار إذ أوشك أن يعثر عليه كفار قريش؟ وفي ذلك يقول تبارك

وتعالى: "
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) " (سورة التوبة)

ألم تشمله الرحمة حين التف الكفار حول داره يريدون قتله والخلاص من

رسالته .. فأعمى الله عيونهم عنه وخرج آمنا مطمئنا إلي حيث غايته، وفي

ذلك يقول الحق جل وعلا: "
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) " (سورة يس)

كم من المعارك الضارية خاضها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على رأس

أصحابه، وكم من محاولة غادرة ماكرة حاكها الكفار والمشركون للخلاص منه

ومن رسالته .. ولكن هيهات .. هيهات أن يتحقق ما ينشدون. فالحق سبحانه

وتعالى رحمة بالبشرية جمعاء شمل نبيه بعنايته ورحمته وشمل الرسالة

برعايته وحمايته، حتى يخرج الناس من الظلمات إلي النور وقد قال جل

وعلا: "
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) " (سورة التوبة ـ32)

وقال سبحانه: "
وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) " (سورة الصف ـ8)

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشمولا برحمة الله فحسب .. بل

كان هو نفسه رحمة تمشي على الأرض .. ومن يتتبع رسالته وما أحدثته في

تاريخ العالم من تغيير سيدرك على الفور أنه رحمة من الله للناس كافة

وهذه الرحمة قد غمرت من آمن به ومن لم يؤمن وأن اختلفت في القدر

والكيف. وقد قال تعالى: "
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) " (سورة الأنبياء)

ومن رحمة المولى تبارك وتعالى أنه كتب على نفسه الرحمة كما ذكر في قوله

تعالى: "
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ " (سورة
الأنعام ـ12)
وكما قال سبحانه: "
فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " (سورة
الأنعام ـ 54)
وهذه الكتابة لا تنفي أن الرحمة صفة أصلية له .. متعلقة بذاته .. ولكي

نفهم ذلك ينبغي أن ندرك أن صفات الله عز وجل لا ترغمه على أن يتصرف

وفقا لها .. بمعنى أنه عز وجل رحيم، والرحمة صفة أصليه له، متعلقة

بذاته .. ولكننا نرى أحيانا أنه ـ سبحانه ـ يعامل بعض مخلوقاته بلا

رحمة؛ لأنه إن شاء ذلك فعل .. فهو سبحانه وتعالى لا يحكم على نفسه

معاملة خلقه بمنتهى الرحمة .. فكان الفرض منه وعليه، ورحمة الله قد

وسعت كل شيء، فشملت المؤمن والكافر، المطيع والعاصي، الحيوان والنبات،

بل وشملت الجماد أيضا .. وقد قال جل وعلا: "
قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " (سورة الأعراف ـ 156 )

وقال تعالى: "
رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا " (سورة غافر ـ 7)

ولعلك تشعر بالرحمة الفياضة إذا تأملت قطة ترضع صغيرتها. أو أسدا يداعب

شبله في معركة لا يلحق الصغير منها أذى .. إنها رحمة الله التي لم تترك

صغيرة ولا كبيرة في الكون إلا غمرتها. وقد قلنا مرارا إن الله عز وجل

رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .. فرحمانيته في الدنيا شملت جميع خلقه ..

المؤمن والكافر والطائع والعاصي .. بينما يختلف الأمر في الآخرة، إذ أن

رحمته ستشمل المؤمن فقط .. فكما شملتهم في الدنيا باسمه (الرحمن) فإنه

سوف يشملهم في الآخرة باسمه (الرحيم) فيغفر لهم خطاياهم ويرحمهم

ويدخلهم جنته برحمته، وفي ذلك يقول جل وعلا: "
أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) " (سورة التوبة ـ 71)

ويقول سبحانه: "
ففَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ " (سورة النساء ـ 175)

ويقول وقوله الحق: "
سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) " (سورة التوبة ـ 99)

وإذا تتبعنا اسمه عز وجل (الرحمن) في الآيات القرآنية التي ورد فيها

وكذلك إذا تتبعنا اسمه (الرحيم) لتأكد لدينا أنه رحمن الدنيا ورحيم

الآخرة. خذ على سبيل المثال قوله تعالى: "
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) " (سورة مريم)

لقد ورد اسم (الرحمن) في الآيتين السابقتين ولم يرد اسم الرحيم .. وذلك

لأن رحمانية الله في الدنيا شملت جميع خلقه. ولو لم تشملهم جميعا لما

أمهل الله عز وجل الشيطان إلي يوم القيامة، ولما أمهل آزر رغم أنه

متمسك بشركه وكفره .. وتأمل أيضا قوله تعالى: "
لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ " (سورة الرعد ـ 30)

فعلى الرغم من كفر الكافرين، وضلال الضالين .. تجد أن الحق جل وعلا

يشملهم برحمانيته فيمهلهم ويمد لهم في الوقت لعلهم يذكرون أو يخشون.

وبينما تدل الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن على شمول الرحمانية لجميع

المخلوقات في الدنيا، نجد أن اسم (الرحيم) لا يرد في الغالب إلا مع

المؤمنين الطائعين أو التائبين النادمين ويتجلى ذلك في قوله

تعالى: "
فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) " (سورة البقرة ـ 160)

وقوله سبحانه: "
أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) " (سورة البقرة ـ 218)

وقوله تعالى: " فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) " (سورة البقرة)

ومن كمال رحمته جل وعلا أنه لا يأخذ الكافر والمشرك والعاصي بذنوبهم

على الفور .. بل يمد لهم ويمهلهم لعلهم يرجعون. وفي ذلك يقول تبارك

وتعالى: " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) " (سورة فاطر)

يأخذ الجميع ثم يتغمد عباده برحمته .. فيقيهم عذاب ناره، ويسكنهم فسيح

جناته. وإن كانت رحمة الله عز وجل عامة شاملة في الدنيا كما أوضحنا ..

فهذا لا ينفي أن المؤمن يختص منها بنصيب متميز. فالرحمن بالكفار

والعصاة تتجلى في إبقاء الله لهم وإمهالهم إلي أن يحين أجلهم .. ويتجلى

أيضا في أن الله تبارك وتعالى لا يرحمهم من نعمه. أما رحمة الله

بالمؤمن .. فهي الحياة الكريمة الهادئة المستقرة في الدنيا والآخرة ..

إنها الحياة التي ينعم المؤمن فيها برضاه عن نفسه وعن خالقه وعن حياته

.. وحتى ولو ابتلى أشد البلاء .. في صحته أو ماله أو أهله ..

وماذا يبغي الإنسان منا أكثر من ذلك؟

وانطلاقا من هذه الحقيقة اختص تبارك وتعالى أمة التوحيد الصحيح الكامل

.. أمة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم برحمات لا تحصى منها بل

من أهمها القرآن الكريم .. الرحمة العظمى .. تلك الرحمة العامة التي

قبلوها دون غيرهم من أمم الكفر والشرك .. فغمرتهم دون سواهم .. هذه

الرحمة التي تتجلى في القلوب فلا يشعر بها إلا من قبلها .. ويعمي عنها

من رفضها وردها فلا يلمس لها أثرا في نفسه ولا في غيره.

ومن هذه الرحمات أيضا أن الحق تبارك وتعالى جعل لأمة محمد في قلب نبيهم

رأفة ورحمة بهم .. ولقد كان لرحمته صلى الله عليه وسلم بصحابته

والتابعين ما لها من الآثار والنعم .. تلك النعم التي لم تنقطع منا

بعثته وإلي وقتنا هذا. فحسبه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه على

المسلمين أن من لا يرحم لا يرحم .. وأن مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا

اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .. وقد قال جل وعلا:

"
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) " (سورة التوبة)

ومن هذه الرحمات أيضا أنه عز وجل جعل في قلوبهم رأفة ورحمة فيما بينهم

مما أشاع الود والترابط بينهم .. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: "
وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً " (سورة الحديد ـ 27)

ويقول سبحانه أيضا: "
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " (سورة الفتح ـ 29)

ومن هذه الرحمات أنه جل وعلا يسر عليهم الحساب حتى يجتازوا الاختبار

ويؤدوا الأمانة التي حملوها باختيارهم .. فينتهوا إلي النعيم الأبدي

الذي لا يعتريه شقاء ولا كرب ولا ملل .. فمن جاء منهم بالحسنة ضاعفها

له إلي عشرة أمثالها .. وإلي سبعمائة ضعف .. ويضاعف فوق ذلك لمن يشاء

.. ومن أتى بالسيئة فلا يجزي إلا بها، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: "
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) " (سورة الأنعام)

كما قال سبحانه: "
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) " (سورة النمل)

وقال سبحانه: "
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) " (سورة الشورى)

وقال تبارك وتعالى: " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) " (سورة البقرة)

وقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الحسنات

والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة

كاملة، فإن هو هم بحسنة فعملها، كتبها الله له عشر حسنات، إلي سبعمائة

ضعف، إلي أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له حسنة

كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة .

وفضلا عن ذلك فإنه تبارك وتعالى قد فتح أمامهم باب التوبة والمغفرة على

مصراعيه .. حتى إذا ما أذنبوا فندموا فاستغفروا فرجعوا إليه غفر لهم

ذنوبهم وتغمدهم برحمته وفي ذلك يقول جل وعلا: "
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) " (سورة الزمر)

ويقول سبحانه وتعالى: "
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) " (سورة البقرة)

ويقول جل وعلا: "
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) " (سورة آل عمران)

ويقول سبحانه: "
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) " (سورة الأنعام ـ 54)

ومن رحمته بهم أيضا أنه فتح أمامهم أبواب الخيرات .. لترجح كفة حسناتهم

فينتهوا إلي حيث النعيم الأبدي .. إلي حيث صفاء النفوس المؤمنة صفاء لا

يعكره كدر .. ونعيم لا يشوبه انقطاع أو يقطعه ملل. لقد نوع المولى عز

وجل لهذه الأمة مصادر الحسنات .. ما بين صلاة وصيام وحج .. وفرض على

نفسه أن يكافئ المحسن ولو على ذرة من الخير عملها في وقت من الأوقات،

وفي ذلك يقول جل وعلا: "
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) " (سورة الزلزلة)

فالابتسامة في وجه أخيك صدقة .. وإماطة الأذى عن الطريق صدقة .. الكلمة

الطيبة صدقة .. اللقمة يضعها المرء في فم امرأته له بها صدقة. أي رحمة

بعد ذلك وأي تخفيف؟. إنه سبحانه وتعالى يتلمس لنا أسباب النجاة والفوز

بالجنة، ويهيئ لنا من أبواب الخير ما يحول بيننا وبين جهنم والعياذ

بالله .. فما علينا إلا أن نسلك الطريق وأن نغتنم هذه التيسيرات فنتقي

النار ولو بشق تمرة.

إن كل شيء في الكون رحمة من الله سبحانه وتعالى بخلقه حتى لو تبدي

للناظرين أنه عناء وشقاء .. الشياطين .. الحيوانات المفترسة ..

الثعابين .. العقارب .. الفجائع التي تصيب الإنسان في الأهل والأحباب

.. في الصحة والمال .. كل هذا من رحمة الله بخلقه. فمن حكمته تبارك

وتعالى ورحمته أنه أوجد للإنسان أعداء متعددين يلاحقونه دوما .. حتى

إذا ما ضاق بهم ذرعا .. وعجز عن مقاومتهم .. لجأ إلي خالقه .. ليكون له

طوق النجاة .. ولو أنه عز وجل لم يفعل ذلك لما ذكر الإنسان ربه إلا

قليلا.

وهكذا يتجلى لنا أن الرحمة قد تكمن في جوف النقمة .. ولاشك أن كل ما

يقرب الإنسان من خالقه هو الخير بعينه والرحمة بعينها وأن تجلي

للسطحيين أنه نقمة ليس لوجودها مبرر. والمؤمن يجب أن يدعو الله دائما

أن يتغمده برحمته في الدنيا والآخرة .. فالدعاء لاستجلاب الرحمة من

خصال المؤمنين الصادقين المتقين الذين يخشون الله عز وجل ويخشون عذابه

لأنهم على يقين أن الله حق وأن الجنة حق وأن النار حق .. ولنقرأ قوله

تعالى: "
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) " (سورة البقرة)

وقوله تعالى:"
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) " (سورة هود)

وقوله تعالى: "
أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) " (سورة البقرة ـ 218)

وقوله تعالى: "
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً " (سورة آل عمران ـ 8)

وقوله تعالى: "
رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) " (سورة المؤمنون ـ 109)

ولا يظن المؤمن أنه آمن بمحض مشيئته .. ولا يظن الطائع أنه أطاع بخالص

قدرته وإرادته؛ لأن الانتقال من الكفر إلي الإيمان، ومن المعصية إلي

الطاعة يكون برحمة الله وتوفيقه واتل قوله تعالى: "
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا " (سورة النور ـ 21)

ورحمة الله عز وجل مطلقة كسائر صفاته، ولقد أشار الحق تبارك وتعالى إلي

ذلك في العديد من الآيات القرآنية .. فقال-عز و جل- :- "
قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " (سورة الأعراف 156)

وقال سبحانه: "
قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) " (سورة يوسف)

إنه عز وجل ارحم الراحمين وخير الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء .. فهي

الرحمة المطلقة التي غمرت كل المخلوقات وغمرت كل البشرية بما فيها من

عناصر الكفر بالله والشرك به والمعصية له والجحود بأنعمه. ومن العجيب

أن هذه العناصر الكافرة والمشركة والمعصية تحاول هباء أن تشكك في طلاقة

الرحمة .. فيقولون: كيف تكون رحمة الله مطلقة رغم أنه سيدخل بعضا من

خلقه جهنم ويذيقهم أشد العذاب؟. محاولين بذلك أن يتلمسوا لأنفسهم مخرجا

إذ ما اكتشفوا بعد الموت أن الله عز وجل حق، وإذا ما اكتشفوا زيف

عقائدهم التي أصروا عليها في الدنيا.

وقد بينا في غير موضع سذاجة فكرهم وسطحية عقولهم، وجهلهم بمفهوم الكمال

الإلهي .. ونكرر ما ذكرنا من قبل في هذه الجزئية الهامة حتى يعلم من لم

يعلم، ويتثبت من علم. لقد قلنا ردا عليهم: أن هذا فهم قاصر .. إذ أن

رحمة الله قد شملت جميع مخلوقاته منذ أن خلقهم من العدم المطلق وتكفل

بتوفير مقومات الحياة لهم من هواء وماء وطعام إلي غير ذلك مما لا

نستطيع حصره، وفي مقابل ذلك طلب منهم عبادته وطاعته بما هو ميسور لهم

من العبادات، وهذه العبادة ليست إلا القيام ببعض الأعمال وامتناع عن

بعض .. علما بأن الالتزام بالفعل والامتناع يكفل لهم حياة كريمة هادئة

ويحقق لهم الأمن والأمان وسعادة الدنيا والآخرة، فإذا أطاعوا الله فيما

أمر به ونهى عنه فستشملهم رحمته في الآخرة كما شملتهم في الدنيا.

وأما من عصى ولم يعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط عن نفسه

موجبات الرحمة في الآخرة، واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله

المطلق الذي يقتضي معاملة كل إنسان وفقا لعمله في الدنيا. ولو ساوى

الله بين عباده في الحساب وأدخل الجميع فسيح جناته لأصبح ظالما لعباده

الصالحين الطائعين .. فعدله عز وجل يقتضي أن يكون رحمن الدنيا فتشمل

رحمته في الدنيا جميع خلقه، وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته في

الآخرة عباده الصالحين الطائعين، بل إن تعذيب النفوس الشريرة التي دأبت

على المعصية قد يكون رحمة من الله سبحانه وتعالى لتطهير هذه النفوس من

شرها وعنادها، فإذا أدخلها الجنة بعد ذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع

قداسة الجنة وقداسة أهلها.

إن الله تبارك وتعالى واحد أحد متعدد الصفات، ولكل صفة مجال للعمل،

فصفة الرحمة لها موجبات، وصفة الانتقام لها موجبات، فإذا تحققت موجبات

الرحمة حلت الرحمة حيث تحققت موجباتها .. وإذا تحققت موجبات الانتقام

الإلهي .. حل الانتقام حيث تحققت موجباته .. ولا تعارض بين هذا وذاك.

وأنه لمن الجهل المتعمد بالكمال الإلهي أن ينتقي الإنسان من الصفات

الإلهية ما يوافق هواه فيتشبث بها، بينما يغفل ويتناسى سائر الصفات

وكأنها ليست من صفات الله عز وجل.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده

فوق عرشه: "إن رحمتي سبقت غضبي"

وفي رواية "تغلب غضبي" أي غلبت بكثرة آثارها .. بدليل أن قسط الخلق من

الرحمن اكبر من قسطهم من العذاب، لنيلهم إياها بلا استحقاق، فقلم

التكليف مرفوع عنهم إلي البلوغ، وعقوبة العصيان غير معجلة، وحتى مع

العصيان فإن الله يرزقهم ويقبل توبتهم. إن الحق جلا وعلا رحمن رحيم في

نفس الوقت الذي هو فيه شديد الانتقام وشديد العذاب، ولا تعارض البتة

لمن يفهم المسألة على وجهها الصحيح. فسبحان الله وبحمده وسبحان الله

العظيم .. الرحيم الذي ينزل إلي السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل

الأول فيقول:

أنا الملك.

من ذا الذي يدعوني فاستجب له؟ .

من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ .

من ذا الذي يستغفرني فاغفر له؟.

فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر. .

فتبارك ربنا الملك الحق .. الرحمن الرحيم.

رد: معاني أسماء الله الحسنى..............هامة لكل مسلم و مسلمة

الملك:-


ملك الشيء أي حازه وانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه.
والاسم مالك .. وأملكه الشيء أو ملكه الشيء أي جعله ملكا له .. وتملك
الشيء أي امتلكه.
size=x-large بفتح الميم واللام هو واحد الملائكة، وهو جنس من خلق الله
تعالى نوراني لطيف كجبريل وعزرائيل. أما (الملك) بفتح الميم وكسر اللام
فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وهو يعني ذو الملك وصاحب التصرف فيما
يملك بجميع الوجوه ما علمناه منها وما لم نعلم. حين يملك الإنسان شيئا
يقال له مالك .. ولكن ملكه محدود بحدود ما ملكه من أشياء. وقد يستخدم
الاسم (ملك) مع الإنسان .. ولكن يلاحظ أنه يأتي دائما مضافا .. كأن
نقول ملك بلجيكا أي ولي السلطة ببلجيكا.
هذا عن ملك الإنسان .. أما عن ملك الحق جل وعلا فإن الأمر يختلف، لأنه
سبحانه وتعالى ليس مالكا فحسب .. بل هو الملك .... الذي يملك الأشياء
ويملك من ملكها. إذا امتلك إنسان قطعة أرض فإنه يصير مالكا .... أما
الحق جل وعلا فهو الملك لأنه الملك هذا الإنسان ويملك قطعة الأرض ما
بحكم كونه الخالق لهما وللكون بأكمله.... إن من يشتري شيئا يصير مالكا
له .. فمن باب أولى أن ملكية الخالق لما خلق أجلى وأوضح.
وملك الله تبارك وتعالى لكونه يتضمن مفهوم الملكية البسيطة والمستقى من
ملكية الناس لبعض متاع الدنيا ويزيد عليه بوجوه أخرى .. فملكية الإنسان
ملكية رمزية، أما ملكية الله جل وعلا فهي ملكية حقيقية. إن لحق تبارك
وتعالى يملك مخلوقاته ولا يشاركه في هذه الملكية أحد وفي ذلك يقول
سبحانه وتعالى: " أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " (سورة البقرة ـ 107)
ويقول عز وجل: " وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) " (سورة آل عمران)
ويقول تبارك وتعالى: " وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) "(سورة المائدة ـ 18).
ويقول سبحانه: " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ " (سورة المائدة ـ 120)
ولقد كلف الله رسله عليهم أفضل الصلاة والتسليم بإخبار الناس بهذه
الملكية .. وبالفعل كان الرسل جميعا يدعون الناس إلي الإيمان بملكية
الحق تبارك وتعالى لكونه، كما يدعونهم إلي الإيمان بعقيدة التوحيد
الخالص، ولقد كلف الله نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن يخبر
الناس بأنه جل وعلا هو الملك الذي له ملك السماوات والأرض .. فقال جل
وعلا: " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) " (سورة الأعراف)
ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذا الكون أو بعض منه
بخلق جديد .. وفي ذلك يقول جل وعلا: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) " (سورة فاطر)
كما يملك أيضا أن يضيف إلي كونه ما ليس فيه كما قال جل وعلا: " الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) " ( سورة فاطر)
ومن هذه الآثار أيضا أنه تبارك وتعالى يحيي ويميت من يشاء حين يشاء
ولا يشاركه في ذلك أحد .. وقد رأينا ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه ..
هذا الرجل الذي آتاه الله ملكا، فتخيل بجهله أنه يملك الأحياء والإماتة
فظن أنه إذا حكم على إنسان بالموت ثم عفا عنه فقد أحياه .. وإذا نفذ
فيه الحم فقد أماته.
كان يملك سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقول له: إن عفوك عن هذا
الإنسان بعد أن حكمت عليه بالموت ليس إحياء، لأن الإحياء يكون من العدم
أو يكون من الموت، وأنت لم تفعل هذا ولا ذاك، وإن افترضنا جدلا أنك
عفوت عنه بعد أن حكمت عليه بالموت، فإنك بذلك لا تكون قد أحييته ..
وإنما أبقيت على حياته والتي كانت له قبل أن تحكم عليه أو تعفو عنه ..
أما عن ادعائك بأنك نفذت الحكم فإنك تكون بذلك قد أمته، فإن ذلك فهم
مغلوط؛ لأنك في حقيقة الأمر نفذت إرادة الله بموته، ولم تمته بإرادتك
وقدرتك.
ولكن سيدنا إبراهيم لم يلجأ إلي كل هذا الجدل، لأن حجج قهر الكافرين
المجادلين بالباطل لا تحصى، لكنه اختار حجة يسيرة لم يملك هذا الرجل
لها دفعا ولا ردا .. وفي ذلك يقول جل وعلا: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) " (سورة البقرة)
ومنها أنه سبحانه وتعالى يعلم عن كونه كل شيء .. يعلم كل صغيرة وكبيرة
وفي ذلك يقول جل وعلا: " وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) " (سورة الأنعام ـ 80)
ويقول سبحانه: " وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ " (سورة فاطر ـ 11)
ويقول عز وجل: " ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ " (سورة المائدة ـ 97)
ويقول الحق تبارك وتعالى: " قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " (سورة الأنبياء ـ 4)
ويقول عز من قائل: " قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " (سورة الفرقان ـ 6)
ومن آثار ملكه أيضا أن كل ما يستجد في الكون، وهو الغيب بالنسبة لنا
يستجد بإرادته وبعلمه .. وفي ذلك يقول سبحانه: " قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ " (سورة الزمر ـ 46)
ويقول سبحانه وتعالى: " ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) " (سورة الجمعة ـ 8)
ولم يقف علمه عند هذه الدرجة فحسب، بل أنه يعلم ما يجول بخواطر البشر،
وما تنطوي عليه صدورهم، وفي ذلك يقول جل وعلا: " وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) " (سورة النمل ـ 25)
ويقول سبحانه: " وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) " (سورة القصص ـ 69)
ومن هذه الآثار أيضا أن مآل كل شيء إليه .. فكما كانت البداية منه فإن
النهاية تكون لديه .. كما قال عز وجل: " لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) " (سورة الحديد)
وأنه مالك يوم الدين .. كما قال سبحانه وتعالى: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) " (سورة الفاتحة)
وكما قال عز وجل: " لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) " (سورة غافر ـ 16)
وأنه سبحانه وتعالى منفرد بالملك، بلا شريك ينازعه في ملكه وربوبيته
وألوهيته في الدنيا والآخرة .. كما قال جل وعلا: " وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ " (سورة الإسراء ـ 111)
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هو الملك في الدنيا والآخرة، فهو ـ إذن ـ وحده وبلا شريك الذي يملك النفع والضر، وفي ذلك يقول عز وجل: " قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا " (سورة المائدة ـ 76)
ويقول سبحانه: " قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ " (سورة يونس ـ 31)
ويقول المولى تبارك وتعالى: " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا " (سورة النحل ـ 73)
ويقول الحق سبحانه: " قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا " (سورة الفتح ـ 11)
ويقول ربنا تبارك وتعالى: " فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) "(سورة الإسراء ـ 56)
ويقول وقوله الحق: " وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) " (سورة الفرقان ـ 3)
وإذا فهمنا ذلك فإنه ينبغي علينا أن ننصرف إليه وحده بالدعاء في كل
صغيرة وكبيرة، لأن الدعاء لغيره دعاء لمن لا يملك شرا ولا نفعا .. بل
إن جميع السبل التي يلجأ إليها الإنسان لتحقيق أغراضه ومصالحه كالرشوة
والوساطة وغيرها كلها أسباب بيد الله. وينبغي أن نفهم جيدا أن الأسباب
لا تحقق ما لا يريد الله تحقيقه، وإذا صادف أن تحققت مصلحة بأحد هذه
السبل، فإنها تكون قد تحققت لأن إرادة الله قد شاءت لها أن تتحقق
فالإرادة الإلهية تحرك الأسباب، بينما لا تملك الأسباب أن تؤثر في
الإرادة أو تحقق ما يخالفها. والحق تبارك وتعالى يحثنا على أن نتوجه
إليه سبحانه بالدعاء ودون أن نشرك معه غيره مع الثقة أن كل شيء منه ..
فيقول جل شأنه: " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) " (سورة آل عمران)
ولقد أدرك نبي الله سليمان عليه السلام هذه الحقيقة .. فدعا الله وحده
أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .. فاستجاب الحق تبارك وتعالى
لدعوته وسخر له كل عناصر الكون .. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40) " (سورة ص)
إنه سبحانه وتعالى الملك .. الآمر الناهي في ملكه .. المعز المذل ..
الذي يقلب شئون عباده ويصرفها كيف يشاء .. والإقرار له جل وعلا بالملك
في الدنيا والآخرة والانفراد بهذا الملك فرض على المسلم. وقد التزم
المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الفرض .. فكأن عليه أفضل الصلاة وأتم
التسليم يقول دوما صباحا ومساء: "أمسينا وأمسى الملك لله. وفي الصباح
يقول أصبحنا وأصبح الملك لله".
وكان يقول: "الحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما
فيها، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل
والهم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر". والملك من الناس هو الذي
يستغنى عن كل شيء سوى الله، وتلك رتبة الأنبياء عليهم السلام، وقد قال
أحد المريدين لشيخه: أوصني .. فقال له: كن ملكا في الدنيا وملكا في
الآخرة.
فقال: وكيف؟
قال الشيخ: اقطع طمعك وشهوتك عن الدنيا تكن ملكا في الدنيا والآخرة،
فإن الملك في الحرية والاستغناء.

رد: معاني أسماء الله الحسنى..............هامة لكل مسلم و مسلمة

القدوس:-
تقدس في اللغة يعني تطهر .. ومنها (التقديس) أي التطهير .. والقدس
بسكون الدال وضمها تعني الطهر ومنها سميت الجنة حظيرة القدس .. وسمى
جبريل روح القدس. والقداسة تعني الطهر والبركة .. وقدس الرجل لله أي
طهر نفسه بعبادته وطاعته، وعظمه وكبره ومنها قوله تعالى: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) " (سورة البقرة)
و(القدوس) بالضم والشد اسم من أسماء الله الحسنى وهو يعني المطهر. ولكن
نبادر فنقول: إن مفهوم الطهارة الإلهية يختلف عن مفهوم الطهارة البشرية
.. الطهارة البشرية لها أكثر من معنى .. منها الطهارة من الدنس .. ومن
كل ما يكون سببا للإصابة بالآفات والأمراض كما في قوله تعالى: " وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ " (سورة الأنفال ـ 11)
وقوله سبحانه وتعالى: " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) " (سورة المدثر)
وقوله جل وعلا: " فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ " (سورة البقرة ـ 222)
ومنها أيضا الطهارة من الآفات القلبية والنفسية كالحقد والحسد والبغض
والبخل .. كما في قوله تعالى: " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا " (سورة التوبة ـ 102)
وكما في قوله: " أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ " (سورة المائدة ـ41)
ومنها أيضا التخلص من كل عبادة غير عبادة الحق جل وعلا .. والتخلص من
معصيته. كما في قوله تعالى على لسان قوم لوط: " أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) " ( سورة النمل ـ 56)
أي يتطهرون من المعاصي. وقوله تعالى: " إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا " (سورة آل عمران ـ 55)
ومن الطهارة البشرية أيضا .. الطهارة من الجنابة .. كما في قوله تعالى: "وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا " (سورة المائدة ـ 6)
هذا عن الطهارة البشرية .. فماذا عن مفهوم القداسة الإلهية؟ هل يمكن أن
تكون بمعنى الطهارة من الدنس أو الجنابة أو المعصية أو غير ذلك من
الوجوه المبطلة للطهارة البشرية؟ بالقطع لا يمكن أن تكون القداسة أو
الطهارة الإلهية بهذا المعنى، بل أنها تختلف اختلافا مطلقا عن الطهارة
البشرية. ولكي نفهم هذا الاختلاف ينبغي أن ندرك أن النجاسة ـ خاصة
المادية ـ كالبول والبراز وخلافه مرتبطة بالبنية المادية للإنسان،
فلولا الجسد لما كان هناك بول أو براز أو عرق أو دم الحيض.
ونظرا لأن الإنسان يتكون من روح وجسد فإنه لم يخل من كافة وجوه الدنس
المرتبطة بتركيبه المادي. أما الحق جل وعلا فهو مبرأ من المادة .. أي
أن المادة لا تدخل في تركيبه، وكيف تدخل المادة في تركيبه وهي مخلوق من
مخلوقاته عز وجل .. ولقد كان الحق تبارك وتعالى ولم يكن معه شيء على
الإطلاق .. كان الله ولم تكن هناك مادة. وكونه سبحانه وتعالى مبرأ من
المادة يجعله مبرأ تبعا لذلك من جميع وجوه النجاسة والدنس التي تصيب
البشر بسبب بنيتهم المادية. وإذا انتقلنا إلي النجاسة أو الدنس المعنوي
كالكفر والشرك والمعصية نجد أنها منتفية في حق الله عز وجل لأنه غير
خاضع لتكليف حتى يوصف بهذه الأوصاف.
وبالنسبة للآفات القلبية فهي أيضا منتفية في حقه تعالى، لأنه واحد أحد
فرد صمد وليس له شبيه أو مثيل حتى ينظر إليه نظرة الحاسد أو الحاقد.
فإذا كانت الطهارة الإلهية تختلف هذا الاختلاف الجذري عن مفهوم الطهارة
البشرية .. فماذا تعني القداسة أو الطهارة الإلهية إذن؟ نجيب على هذا
السؤال فنقول: أن القداسة الإلهية تعني أن الحق جل وعلا مبرأ من كل عيب
أو نقص يتعارض مع كماله المطلق. ولكن ما هي العيوب أو النقائص التي
تتعارض مع الكمال الإلهي؟ قلنا من قبل:إن الكمال المطلق للحق تبارك
وتعالى يقتضي كمال صفاته العلية، وهذا يعني أن جميع صفات الله عز وجل
مطلقة وليست نسبية.
خذ على سبيل المثال صفة القدرة .. هذه الصفة نسبية لدى الإنسان بمعنى
أنه يقدر على أشياء ولا يقدر على أخرى .. بينما نجد صفة القدرة لدى
الحق جل وعلا مطلقة .. بمعنى أنه سبحانه قادر على كل شيء .. فلا يعجزه
شيء .. ولا يقف ضد إرادته حائل. والقدوس في هذا الصدد تعني أنه تبارك
وتعالى مطهر عن النقص والعجز في الصفات .. فجميع صفاته مطلقة .. أي
تبلغ منتهى الكمال في الوصف، فرحمته مطلقة وعلمه مطلق، وحكمته مطلقة
وسمعه مطلق، وعزته مطلقة وعدله مطلق، وهكذا شأن جميع صفاته تبارك
وتعالى.
وقلنا أيضا: إن صفات الحق جل وعلا تنقسم إلي قسمين .. قسم مقابل .. وهو
الأسماء الحسنى التي يكون عملها في مخلوقات الله عز وجل .. ومنها المعز
المذل .. النافع الضار .. فالحق سبحانه وتعالى يعز من خلقه من يشاء
ويذل من يشاء .. وينفع من يشاء ويضر من يشاء وقسم لا يقبل العكس أي
أسماء ليس لها مقابل .. وهذه الأسماء هي أسماء للذات الإلهية العلية ..
فمن أسمائه عز وجل (الحي) بينما ليس من أسمائه (الميت) .. لأن اسمه
(الحي) من أسماء ذاته .. وأسماء الذات لا تقبل العكس. ومثل ذلك أيضا
(العزيز) لا يصح أن نقول إن من أسماء الذليل. والقدوس في هذا الصدد
تعني المطهر عما يناقض أسماء ذاته العلية .. فهو سبحانه وتعالى (الحي)
المطهر عن الموت .. (العزيز) المطهر عن الذل .. (القادر) المطهر عن
العجز ..(الكريم) المطهر عن البخل .. (العليم) المطهر عن الجهل ..
وهكذا شأن سائر أسماء ذاته الإلهية العلية.
وهو سبحانه وتعالى مطهر عن أن يكون له مثيل أو شبيه. ونؤكد على هذه
الحقيقة نظرا لأن هناك عقائد عبر التاريخ يعتقد معتنقوها أن الحق جل
وعلا خلق الإنسان على صورته ومثاله. فتقول لهم أن هذا الاعتقاد باطل من
جميع الوجوه، لأنه إذا قيل إن المماثلة في القالب المادي .. قلنا لهم
أن الحق عز وجل ليس بمادة .. أي لا تدخل المادة في تكوينه على الإطلاق
.. فالمادة مخلوق من مخلوقاته عز وجل .. فكيف يدخل المخلوق في تكوين
الخالق تبارك وتعالى عما يصفون علوا كبيرا. إذن المماثلة الشكلية
يرفضها العقل متفقا مع ما قرره القرآن الكريم. وإذا قيل أن المقصود
المماثلة في الصفات .. قلنا لهم: إن هذه أيضا يرفضها العقل .. ولتوضيح
ذلك ينبغي أن نعلم أن صفات الحق تبارك وتعالى قسمين:
قسم خاص به .. وهو مجموعة الصفات الخاصة به والتي لا توجد في أي من
مخلوقاته بأي درجة من الدرجات .. ومن هذه الصفات الوحدانية والخلق من
العدم والإحياء والإماتة والبعث والأزلية والأبدية والقيومية. وأنه
سبحانه وتعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه سبحانه فعال لما يريد، وكونه
سبحانه الأول والآخر.
كل هذه الصفات خاصة بالحق جل وعلا ولا توجد لدى مخلوقاته مطلقا .. وهذه
الصفات لا يمكن أن نتصور فيها المماثلة بين الله عز وجل والإنسان لأنها
غير موجودة لدى الإنسان.
أما القسم الثاني فهو الصفات الموجودة لدى الله والإنسان كالسمع والبصر
والكلام والقدرة وغيرها من الصفات المشتركة. ونقول لأنصار المماثلة:
أنه حتى بالنسبة لهذه الصفات أيضا لا يمكن تصور المماثلة بين الله عز
وجل والإنسان .. لأن الاشتراك هنا اشتراك لفظي أو مجازي فقط وليس
اشتراكا أو مماثلة حقيقية. خذ على سبيل المثال صفة القدرة لدى الإنسان
.. تجد أن جميع ما توصل إليه الإنسان من مبتكرات قد توصل إليه بقدرته
العقلية أو البدنية أو الاثنين معا .. فإذا تساءلنا من خلق الإنسان
وخلق له قدرته العقلية والبدنية؟ فسنجد أن الله سبحانه تعالى هو الذي
خلق الإنسان ومنحه القدرة العقلية والبدنية.
إذن انتفت لدينا قدرة الإنسان وصارت مظهرا من مظاهر قدرة الله عز وجل
.. وانتفت المماثلة تماما. وشتان بين أن نقول: إن الصفة لدى الإنسان
تمثل مظهرا من مظاهر الصفة لدى الله عز وجل وبين أن تقول إن الصفة لدى
الإنسان مماثلة للصفة لدى الله تبارك وتعالى. فالحق سبحانه وتعالى ولو
كره الكافرون (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .. وهو جل وعلا منزه
ومطهر عن المثيل والشبيه والند والسمي والكفؤ والمضاد، فتباركت ربنا
وتعاليت .. لا نتقول عليك شيئا فنتبوأ مقعدنا من النار، ولا نصفك إلا
بما وصفت به نفسك في كتابك أو على لسان نبيك .. وقد وصفت نفسك فقلت
وقولك الحق: " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) " (سورة الحشر).

رد: معاني أسماء الله الحسنى..............هامة لكل مسلم و مسلمة

السلام

size=x-large من الآفات ونحوها أي برئ .. و(أسلم) أي انقاد، وتطلق أيضا على من
يعتنق الإسلام .. وأسلم أمره لله أي فوضه فيه، وسالم زيد أي صالحه ..
وسلم بالأمر أي رضي به .. وسلم على القوم أي حياهم بتحية الإسلام.
و(الإسلام) هو الخضوع والرضا بالمسلم به.
وتطلق أيضا على الدين الذي نزله الله عز وجل على نبيه محمد عليه افضل
الصلاة وأتم التسليم. و(السم) أي الصلح وقد يراد بها الإسلام.
و(السلام) اسم من أسماء الله الحسنى، وهو يعني في اللغة البراءة من
العيوب والنقائص .. ويشمل في ثناياه معاني متعددة كالسكينة والأمان
والاستقرار والهدوء. وابن القيم ـ رحمه الله ـ لله حول هذا الاسم من
الأسماء الحسنى قول مأثور جاء فيه ما يأتي:
الله جل وعلا أحق بهذا الاسم من كل مسمى به، لسلامته سبحانه من كل عيب
ونقص من كل وجه". "فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق (أي المخلوق
له) سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله
وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام من أفعاله من كل عيب ونقص
وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه
وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم اكمل من استحقاق كل ما
يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله.
فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمى
والمماثلة، والسلام من الشريك". "ولذلك إذا نظرت إلي أفراد صفات كماله
وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت ومن السنة
والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من
عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلي تذكر وتفكر، وإرادته سلام من
خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت
كلماته صدقا وعدلا، وغناه سلام من الحاجة إلي غيره بوجه ما، بل كل ما
سواه محتاج إليه وهو غني من كل ما سواه، وملكه سلام من مشارك له فيها،
بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه
سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو
محض جوده وإحسانه وكرمه. وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه
سلام من أن يكون ظلما، أو تشفيا، أو غلظة، أو قسوة، بل هو محض حكمته
وعدله ووضعه الأشياء مواضعها، وهو ما يستحق عليه الحمد والثناء كما
يستحق على إحسانه، وثوابه، ونعمه، بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان
مناقضا لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله، وحكمته،
وعزته، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته.
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف
الحكمة البالغة". "وشرعه ودينه سلام من التناقص والاختلاف والاضطراب
وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته ـ أي شرعه
ودينه مطابق لحكمته عز وجل ـ بل شرعه كله حكمه، وحرمة، ومصلحة، وعدل،
وكذلك عطاؤه سلام من كونه معارضة أو لحاجة إلي المعطي، ومنعه سلام من
البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعارضة ولا لحاجة، ومنعه
عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤه وعلوه على عرش سلام من أن يكون محتاجا إلي ما يحمله أو يستوي
عليه، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش
وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلي
عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش
ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه
على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلي عرش ولا غيره بوجه ما.
ونزوله كل ليلة إلي سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه، وسلام مما يضاد
غناه. وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه، وسلام من أن يصير تحت
شيء أو محصورا في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله". "وغناه
وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته
لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق، بل هي
موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبر كما قال عز وجل:
" وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ " (سورة الإسراء ـ 111)
فلم ينف أن يكون له ولي مطلقا بل نفى أن يكون له ولي من الذل.
وكذلك محبته لمحبته وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من
كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه، وسلام مما يتقوله
المعطلون فيها.
وكذلك ما أضافه إلي نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو
يتقوله معطل.
فتأمل كيف تضمن اسم السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى. وكم ممن حفظ
هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان.
هذا ما جاء في حديث ابن القيم عن اسم الحق جل وعلا (السلام). ولقد
ذكرنا مرارا أن المتأمل لكون الله عز وجل لابد أن يلمس لكل صفة من صفات
الحق تبارك وتعالى أثارا لا تحصى. والسلام اسم من الأسماء الحسنى التي
تمثل صفة من صفاته عز وجل، فإذا تأملت الكون ستجد أن السلام كامن في كل
بقعة من بقاعه، فالكون يسير وفقا لنظام محكم وثابت لا يعتريه خلل ولا
عطب .. الأرض التي نعيش عليها تدور بسرعة كبيرة حول نفسها .. وتدور في
نفس الوقت حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب الليل والنهار وتعاقب
فصول السنة.
ورغم هاتين الحركتين تجد أن الكون سلام من الأعطاب وسلام من الاضطرابات
.. الشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض لا تتجاوزه بالنقص أو بالزيادة
.. فلو اقتربت الشمس من الأرض لاحترقت كل الكائنات الحية .. ولو بعدت
لتجمدت كل الكائنات من البرودة. الكواكب التي تدور في فلكها حول الشمس
منها ما يمثل أضعاف أضعاف الكرة الأرضية من حيث الحجم والوزن .. فماذا
لو خرجت إحدى هذه الكواكب عن مدارها فصدم الكرة الأرضية؟. لا شك أنه
سيصيب الأرض بدمار شامل .. وهب أن الأرض فقدت جاذبيتها للأجسام التي
تعلوها؟
ألن تتطاير تلك الأجسام إلي الفضاء الخارجي بلا ضابط ولا رابط وماذا لو
ضعفت القشرة الأرضية أو تفككت؟ ألن تسقط الكائنات الحية ضحايا للزلازل
والبراكين؟. إن الموجودات الكونية جميعها تؤدي عملها بلا توقف وبلا
أعطال أو خلل، فالكون كله في سلام وأمان وسكينة واستقرار، وان كان الحق
جل وعلا يصيبنا ببعض الكوارث الطبيعة بين الحين والآخر، فإنها إصابة
مقصودة ولحكمة إلهية. فقد قلنا من قبل أن الحق تبارك وتعالى يريد بهذه
الكوارث أن يجعلنا نذكره ونلجأ إليه لنطلب منه العون والنجاة.
ويلاحظ أن هذه الكوارث تأتي في الغالب حين يكون هناك إعراض من الغالبية
العظمى من الناس .. فتأتي الكارثة ليفيق الجميع من الغفوة، ويتذكر بعد
النسيان. وقد تكون هذه الكوارث غضبا من الله عز وجل على من حلت بهم
لتجعلهم عبرة للمؤمنين. وقد تكون تذكرة لنا بنعمة السلام الدائم الذي
نعيش فيه ليل نهار دون أن نلتفت إليها فنقدم من الحمد والشكر لله ما
يكافئها. وقد غمرت صفة السلام الكون بعد بعثة المصطفى صلى الله عليه
وسلم، فقبل الرسالة المحمدية كان الناس يعيشون في الجاهلية الأولى،
وكانوا جميعا يفتقدون الأمن والسلام بسبب أعمالهم. لقد كانوا يرتكبون
كل المعاصي والجرائم بلا وزاع من دين أو ضمير: شرب الخمر .. السرقة ..
الزنا .. خيانة الأمانة .. الكذب .. النميمة .. الغيبة .. الربا وغيرها
من المعاصي التي تجلب معها التناحر والحروب.
وحتى الأديان السابقة لم تقض على حالة الفوضى التي عاشتها البشرية قبل
الإسلام .. فالدولة الرومانية كانت تعتنق المسيحية ورغم ذلك لم تختلف
طبيعة الحياة فيها عنها لدى القبائل الوثنية. وقد قرأنا عن الحروب
الطاحنة التي كانت تشنها هذه الإمبراطورية لكي تغزو سائر الدول وتضمها
تحت رايتها .. فلما جاء الإسلام بعقيدته القويمة وعباداته ومعاملاته حل
السلام الحقيقي بين الناس وانحدرت نسبة الجرائم لتوشك على الانعدام في
بعض الدول الإسلامية. وقد انتقلت الحضارة الإسلامية إلي دول أوربا
لتنقلها من ظلمات الجهل إلي نور العلم .. وهذه حقائق يرصدها التاريخ
الأوروبي نفسه وليست مجرد افتراء بدافع الإحساس بالنقص كما يدعي البعض.

بمجيء الإسلام اجتمع السلام الكوني مع السلام بين الناس فصار الكون كله
سلاما في سلام .. ولا ينقض هذه الحقيقة وجود بعض الخلافات والحروب بين
بعض الدول، فالنزاعات والحرب سنن كونية .. وإنما الفيصل في الأمر هو
حجم هذه الخلافات والحروب وما ينجم عنها من إخلال بالسلام الكوني.
والإسلام سمي بهذا الاسم لما فيه من إسلام الوجه لله سبحانه وتعالى
والخضوع له وطاعته .. ولما فيه من نشر السلام بين الناس. إن العبادات
في الإسلام بما فيها من تذكرة دائمة للإنسان بخالقه ولما فيها من تدريب
على ضبط النفس وقمع الأهواء وبما يتخللها من إرشادات ونصائح كخطبة
الجمعة وكالاستماع إلي تلاوة القرآن الكريم في الصلاة وخارج الصلاة ..
كل هذه المعاني الكامنة في العبادات الإسلامية تهذب النفس البشرية
وتجعل الإنسان في سلام داخلي مع نفسه ومع خالقه ومع الكون المحيط به
وتجعله في سلام مع غيره من الناس.
والإسلام قد نظم أيضا القواعد التي تحكم المعاملات بين الناس .. هذه
القواعد تغطي جميع صور التعاملات .. وبها من القواعد العامة ما يكفي
لاستنباط قواعد تفصيلية لكل ما يستجد من وجوه التعامل. ونذكر من هذه
التعاملات البيوع، السلم، الشفعة، الإجارة، الكفالة، الوكالة، الحرث
والمزارعة، الاستقراض وأداء الديون، الرهن، العتق، الهبة، الوصية وغير
ذلك كثير.
وتتسم هذه القواعد بتحقيق العدل بين الناس والتوازن بين مصالحهم
المتعارضة، مما يؤدي إلي القضاء على أسباب المشاكل بين الناس على مستوى
الأفراد والدول .. فيقيهم شر الحروب الطاحنة وينشر بينهم السلام والود
والأمان.
وفضلا عن ذلك. وضع الإسلام عقوبات معينة لكل من يرتكب جريمة من الجرائم
كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها من الجرائم المخلة بالأمن
والسلام بين الناس ..
فمن يرتكب أيا من هذه الجرائم يعاقب بالعقوبة المحددة لها فتكون رادعة
له ولكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة. إنه نظام محكم شيده
الإسلام والسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وكيف يوصف به من
لم يسلم هو من نفسه؟
ويقول سفيان بن عيينة رضي الله عنه: أوحش ما تكون الخلق، ثلاثة مواطن:
يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، أو يوم يموت فيرى قوما لم يكون
عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى
فخص بالسلام فقال: " وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) " (سورة مريم ـ 15)
كأنه أشار إلي أن الله عز وجل سلم يحيى عليه السلام من شر هذه المواطن
الثلاثة وآمنه من خوفها. فعلى هذا إذا سلم المسلم على المسلم فقال:
"السلام عليكم" فكأنه يعلمه بالسلامة من ناحيته ويؤمنه من شره وغائلته،
كأنه يقول له: أنا مسلم لك غير حرب، وولي غير عدو. وقد أراد الحق
سبحانه أن يكون الإسلام خاتما للأديان السابقة فقال: " وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " (سورة المائدة-13)
وقال سبحانه: " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ " (سورة الأنعام ـ 125)
والسلام نعمة من الله يكافئ بها رسله وعباده الصالحين .. كما قال جل
وعلا: " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) " (سورة هود)
وكما قال عز وجل: " وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) " (سورة مريم)
وكما قال سبحانه: " وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) " (سورة الصافات)
وكما قال قوله الحق: " وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) " (سورة الصافات)
وكما قال ربنا تبارك وتعالى: " وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ " (سورة الصافات)
وكما قال سبحانه: " وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) " (سورة الصافات)
وكما قال سبحانه: " وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) " (سورة الصافات)
وكما قال عز وجل: " قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) " (سورة الأنبياء)
ولقد شاءت إرادة الحق جل وعلا ألا تكون الدنيا في سلام كامل؛ لأنه لم
يرد للدنيا أن تكون دار قرار .. ولكن الأمر يختلف في الآخرة حين يكافئ
الله عز وجل عباده المؤمنين الطائعين بالجنة .. فقد شاء تبارك وتعالى
أن تكون الجنة دار القرار .. دار النعيم الأبدي الذي لا يقطعه مثقال
ذرة من شقاء .. دار السلام الكامل. فإذا كنا قد عانينا في الدنيا من
الأمراض المختلفة فإننا سننعم في دار السلام ـ إن شاء لنا المولى
بالنجاة من النار ـ بصحة دائمة لا يقطعها مرض حيث لا حكمة ولا مسوغ له
حينئذ .. وإذا كنا قد تناحرنا وتحاربنا في الدنيا على متاع من متاعها
فإننا سننعم في دار السلام بود لا يقطعه حسد أو حقد أو غل أو ضغينة ..
ومن أين تأتينا هذه الآفات القلبية وليس في الجنة إنسان ينقصه شيء ..
إن أقل أهل الجنة درجات سيكون لهم فيها ما تشتهي الأنفس وهم فيها
خالدون.
حين يلقي المؤمنون ربهم سيحييهم بتحية السلام .. كما قال عز وجل:" تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) " (سورة الأحزاب)
وسوف تحييهم الملائكة بتحية السلام .. كما قال سبحانه: " جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) " (سورة النحل)
وكما قال عز وجل: " وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) " (سورة الزمر ـ 73)
وكما قال ربنا: " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) " (سورة ق)
وبعد أن يدخلوا الجنة سيكون السلام تحيتهم الدائمة من الحق جل وعلا في
ذلك يقول عز وجل: " خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ " (سورة إبراهيم ـ 23)
اللهم أخرجنا من الدنيا بسلام .. وابعثنا يوم القيامة آمنين في سلام
واجعلنا من الخالدين في دارك .. دار السلام.