11*
هل تعلمون ما الذي بهذه الصورة ؟
إنها راية الجيش الإسلامي في الأندلس يوم معركة العقاب والتي انهزم فيها المسلمون وغنم الصليبيون تلك الراية
ومنذ ذلك اليوم وهم يحتفلون بتلك الذكرى لأنها كانت البداية لنهاية الاندلس
في الصورة عسكريون وضباط إسبان يمشون بالطرقات رافعين راية العقاب في ذكرى يوم المعركة
- إن كنا نسينا فالإسبان لاينسون (!)
والآن إليكم تفاصيل هذه المعركة :
معركة العقاب وسقوط الاندلس
1- ما قبل المعركة
كانت الممالك النصرانية في شمال الاندلس في حرب دائمة مع المسلمين وقد اطلق على هذه الحرب اسم حرب الاسترداد
اوla reconquista كما يطلق عليها الاسبان وتعكس
هذه الكلمة رغبة الممالك الصليبية في انهاء الوجود الاسلامي بالاندلس لذلك وما ان سقطت الدولة الاموية التي كانت تحكم الاندلس ما بين سنوات 138ه و422ه حتى استغلت الممالك الافرنجية الفرصة
فتوحدت وتكتلت تحت قيادة ملكها فرناندو الاول وخلفه الفونسو السادس من اجل طرد المسلمين من الجزيرة وقد تمكنت مملكة قشتالة وحلفاؤها من النافاريين والاراغونيين والبرتغاليين والجلالقة وبدعم من البابوية وبلدان اوروبا من الاستيلاء على العديد من المواقع الاسلامية وخصوصا طليطلة التي وقعت في ايديهم في زمن ما عرف بملوك الطوائف(422ه-484ه)
وكان سقوط هذه المدينة سنة 478ه ايذانا بخطر كبير على الاندلس مما حدا بملوكها الى الاستنجاد بالمرابطين حكام بلاد المغرب
فتصدى المرابطون للقشتاليين وهزموهم هزيمة منكرة في معركة الزلاقة سنة 479ه ثم في معركة اقليش سنة 503ه
فتوقف الزحف الصليبي مؤقتا خصوصا بعد ان خضعت الاندلس لحكم المرابطين(484ه-541ه) فاستمات المرابطون في الدفاع عن حوزة الاسلام والوقوف امام الاطماع الصليبية حتى نهاية دولتهم سنة 541ه
لتاتي على انقاضها دولة الموحدين التي اسسها محمد بن تومرت فقام سلاطين الدولة الموحدية بدور بارز في صد الغزوات الصليبية عن الاندلس وكان ابرز سلاطين الموحدين الذين اولوا لهذا الامر اهتماما كبيرا السلطان يعقوب المنصور الموحدي(580ه-595ه)
فقد عبر هذا الاخير الى الاندلس سنة 589ه في جيش جرار بلغ تعداده اكثر من 300 الف مقاتل حيث واجه ملك قشتالة الفونسو الثامن عند حصن الارك فهزمه يعقوب المنصور هزيمة ساحقة واباد قواته
ثم استرجع العديد من المدن والحصون التي كان قد استولى عليها القشتاليون من قبل مثل كوينسا وكاراكويلا وبيلافنتي وبيزا ولوشة وتروخيلو وقلعة رباح
ثم زحف المنصور على طليطلة ذاتها فحاصرها حتى اوشكت على السقوط فخرجت ام الفونسو وبناته واميرات قصره يبكين ويقبلن حوافر خيول المسلمين ويتوسلن الى المنصورالابقاء على حياتهم وترك طليطلة فاستجاب المنصور
وكانت هذه من اخطائه القاتلة فطلب الفونسو الثامن من المنصور الموحدي توقيع معاهدة صلح مدتها10 سنوات فاستجاب المنصور وذلك لكي يتفرغ لقتال بعض الثائرين عليه في افريقية ولم يطل الامر بالمنصور اذ توفي سنة 595ه.
2-ظروف وسير المعركة
كما سبق وقلنا فان الفونسو الثامن ملك قشتالة قد انهزم في معركة الارك سنة 589ه وابيدت فيها خيرة قواته واوشكت عاصمته طليطلة على السقوط بيد المسلمين مما دفعه الى توقيع معاهدة صلح مع المنصور استمرت رغم وفاة هذا الاخير وتولية ابنه محمد الذي لقب بالناصرحتى سنة 607ه حيث قام الفونسو الثامن بمهاجمة بعض الثغور الاسلامية ناقضا لعهده مع المسلمين
مما دفع باهل الاندلس الى الاستنجاد بالسلطان محمد الناصر بن يعقوب المنصور(595ه-610ه) فجمع الناصر جيوشه في عاصمته مراكش ببلاد المغرب ثم عبر بهم الى الاندلس في اوائل سنة 608ه وقد بلغ تعدادهم حسب المؤرخين ما بين 300الف الى 600 الف مقاتل
فجاس الناصر ديار الاندلس بجيوشه المتكونة بالاساس من قبائل المصامدة البربرية وهم عمدة الجيش الموحدي ثم من عرب المغرب والعبيد الافارقة بالاضافة الى المتطوعين من افريقية ثم انضم اليهم المتطوعون من اهل الاندلس فكان الحيش الموحدي كبير العدد
فاصيب ملوك الفرنجة بالذعر والهلع فاستسلم ملك بنبلونة وامير برشلونة واعلنوا الطاعة ودفع الجزية للناصر الموحدي ومن ثم امر الناصر بالتفرق عبر انحاء الاندلس لصد الغزوات الافرنجية.
هذا عن الجانب الاسلامي اما بخصوص الفرنجة فقد اعلن الفونسو الثامن ملك قشتالة النفير العام في مملكته واستدعى الجيوش ودعاها للاجتماع عنده في طليطلة كما اعلن تحالفه مع ملك البرتغال ادفونسو الثاني وملك نافارة سانشو السابع وملك اراغون بيدرو الثاني واعلن البابا اينوسنت الثالث دعمه للتحالف الصليبي ودعا المقاتلين من انحاء اوروبا لمساعدة الفونسو الثامن فجاءت الامدادات تترى من فرنسا وانجلترا والمانيا وايطاليا فبلغ تعداد الجيوش المتحالفة ما يقرب من 400 الف محارب غصت بهم ميادين وساحات طليطلة وكان يتقدمهم رجال الدين لحثهم على خوض المعركة والثار لهزيمتي الارك وحطين وضياع القدس من ايديهم وكان شعارهم( كلنا صليبيون).
لما سمع الناصر باحتشاد الجيوش الصليبية تحرك بجنده لملاقاتهم لكن وزيره ابو سعيد بن جامع اشار عليه بحصان حصن سلبطرة وهو حصن منيع وصعب الاقتحام لوعورة المناطق المحيطة به ورغم تحذير القادة الاندلسيين بتجنب حصار الحصن والتوجه لقتال النصارى مباشرة الا ان الناصر اصر على رايه وامر قواته بحصار الحصن فصمدت القوات الافرنجية المرابطة فيه لمدة ثمانية شهور
حتى هلك العديد من جنود الموحدين جوعا ومرضا وفي هذه الاثناء زحفت القوات القشتالية ومن معها من الحلفاء على حصن اخر وهو قلعة رباح او calatrava كما يطلق عليه الاسبان
وهي قلعة منيعة تقع على حدود مملكة قشتالة فحاصر القشتاليون قلعة رباح وكان عدد افراد حامية القلعة لا يتعدى 300 رجل يقودهم امير اندلسي محنك يدعى ابو الحجاج بن قادس فصمد ابو الحجاج ورجاله وبعثوا برسائل النجدة الى الناصر ولكن وزير الناصر كان يخفيها عنه
ولما يئس ابو الحجاج من وصول النجدة اليه سلم القلعة الى القشتاليين بالامان والتحق هو ورجاله بالجيش الموحدي الذي كان مرابطا عند حصن سلبطرة.
لما علم الناصر بسقوط قلعة رباح بيد القشتاليين امر بقتل ابي الحجاج على الفور متهما اياه بالتقصير في الدفاع عنها وادى ذلك الى غضب اهل الاندلس على الناصر اولا بسبب تجاهله لرائهم بعدم محاصرة حصن سلبطرة والان بسبب قتله لاحد اكبر امرائهم.
استمر الجيش الموحدي في حصار حصن سلبطرة حتى استسلمت حاميته اخيرا وسيطرت القوات الموحدية على الحصن وابادت الحامية المدافعة عنه ولكن الجيش الموحدي رغم هذا النصر اصيب بالانهاك بسبب طول فترة الحصار.
استغلت القوات الصليبية الوضع الحرج الذي يمر به الجيش الموحدي فهاجموه على حين غرة منتصف سنة 609ه عند حصن اموي قديم يسمى العقاب وقرب بلدة يطلق عليها الاسبان اسم tolosa ولذلك تسمى هذه المعركة باسم las navas de tolosa ورغم ذلك فقد تمكنت قوات الموحدين من صد الهجوم وايقاع خسائر فادحة في صفوف المهاجمين مما اضطرهم الى الانسحاب والتراجع خوفا من هزيمة اخرى
فظن الناصر ان النصر قد صار حليفه فامر قواته بتعقب الفارين والاجهاز عليهم وسرعان ما حوصر الجيش الموحدي بين شعاب ووديان منطقة تولوسة التي كانت مسرح المعركة فاطبقت القوات القشتالية وبطريقة التفافية على مقدمة الجيش الموحدي وعزلته عن بقية المقاتلين فتم سحقه في لمح البصر ثم اجهزت الكتائب الاراغونية والبرتغالية على ميمنة الجيش حيث نخبة القوات الاندلسية فانهارت هذه الاخيرة وتبددت وفر اغلبها من الميدان ثم تجمعت الجيوش المتحالفة في هجوم عام اجهرت به على فرق المتطوعين الافارقة فسحقتها سحقا وسقط عشرات الالوف من المسلمين بين قتيل واسير
ومنهم ابن الناصر نفسه ونجا هذا الاخير في بضع مئات من جيشه عبر بهم في حالة يرثى لها عائدا الى المغرب يجر اذيال هزيمة كارثية ولذلك اطلق اكثر المؤرخين المسلمين على هذه المعركة اسم كارثة العقاب.
اما القشتاليون وحلفاءهم فبعد تحقيقهم لهذا النصر قاموا بتمريغ وجوههم في التراب فرحا بهذا النصر الساحق ثم اعدموا اسرى المسلمين في ساحة المعركة ذاتها واتجهوا بجيوشهم نحو مدينة اوبيدوا فاحتلوها وقتلوا الكثير من اهلها وسبوا وغنموا ثم عادوا ادراجهم الى طليطلة في موكب مهيب وصلت اصداؤه الى اوروبا
فاعلن البابا اينوسنت الثالث ايام الفرح وطالب باداء صلاة الشكر في كل كنائس اوروبا لمدة 3 ايام فرحا وابتهاجا بهذا النصر.
3- الاخطاء القاتلة
ارتكب الناصر عدة اخطاء قاتلة ساهمت في كارثة العقاب يمكن اجمالها في مايلي
a-صغر سن الناصر
لقد كان الناصر في السابعة عشرة من عمره عندما تولى الحكم سنة 595ه خلفا لابيه يعقوب المنصور فقد كان عديم الخبرة بالمقارنة مع ابيه وقد كانت دولة الموحدين في اوج قوتها في بداية عهد الناصر فقد شمل حكمها المغرب والجزائر وتونس واجزاء من ليبيا بالاضافة الى الاندلس ولكن هزيمة العقاب ضيعت على الموحدين كل شيء بسبب حماقات الناصر وخضوعه لا راء وزيره المشبوه ابي سعيد بن جامع.
b- حصار حصن سلبطرة
استنزف حصار حصن سلبطرة قوة الجيش الموحدي اذ ان الناصر اصر على حصار هذا الحصن رغم تحذير الكثير من القادة المجربين له من الاقدام على هذا الامر وهو ما ثبت بالفعل اذ رغم سيطرة الموحدين على الحصن فقد كانت تلك السيطرة باهظة الثمن ولم تغن شيئا بل مكنت الفرنجة من استغلالها احسن استغلال.
c-قتل ابي الحجاج بن قادس
كان ابو الحجاج من خيرة قادة الاندلسيين وكان ذا شان عندهم لخبرته في قتال القشتاليين وقد صمد رغم قلة رجاله في الدفاع عن قلعة رباح ولكنه اضطر الى تسليمها بالامان بعد ان يئس من وصول النجدة فلم يستسغ الناصر ان يفرط ابو الحجاج في موقع استراتيجي كقلعة رباح فلم يكن مستعدا لسماعه بل امر بقتله وهذا ما خلق شعورا بالاستياء داخل صفوف الاندلسيين الذين اعتبروا قتل احد امرائهم اهانة لهم
وهذا الامر ارخى بتداعياته في ساحة المعركة اذا رفض الانداسيون انجاد طليعة الموحدين لما حوصرت وانسحب اغلبهم من ارض المعركة مما ساهم في زعزعة الجيش الموحدي وابادته وشكل احد العوامل المهمة في حسم المعركةي لصالح القشتاليين.
4- نتائج المعركة
عجلت معركة العقاب بنهاية دولة الموحدين اذ لم تمض سنة واحدة حتى مات الناصر حزنا وكمدا على ما اصابه سنة 610ه
وتولى بعده سلاطين عجزوا عن صد غارات القشتاليين على الثغور الاندلسية وعن مواجهة الثورات التي عصفت بحكمهم في المغرب فال الامر الى نهاية دولتهم سنة 667ه.
اما في الاندلس فقد تساقطت المدن الاسلامية بيد الفرنجة الواحدة تلو الاخرى فلم تمض سوى سنين قليلة حتى سقطت قرطبة سنة 633ه وبلنسية سنة 635ه وجيان سنة 643ه واشبيلية سنة 646ه وغيرها من الحصون والمدن الاسلامية
وانحصر الحكم الاسلامي في غرناطة واحوازها التي تشكلت فيها امارة عرفت باسم مملكة بني الاحمر والتي استمرت تقاوم المد الصليبي الجارف الى سنة 898ه لتسقط هي الاخرى في يد القشتاليين بزعامة ملكهم فردناند الخامس
وليسدل الستار نهائيا على الوجود الاسلامي بالاندلس بعد اكتمال اخر حلقات حرب الاسترداد.