رد: )( أدبني ربي { سلسلة الأخلاق النبوية }(
هو البحرُ من أي النواحي أتيته فلجتُهُ المعروف والجودُ ساحِلهُ ..
تـراه إذا ما جئتـهُ مُتهـللاً كأنك تعطيهُ الذي أنت سائلهُ ..
عَجَـزَ الكـلامُ عـن الكـلامِ بِوَصفِكُـم حــارَ الخـيـالُ وفـــاقَ مايُـتَـصَـوَرا
ياسَيِـدي كَـم فـي الفـؤآدِ لِشَخْصِكُـم حُـبــاً ووصـفــي فيـكـمـو مـتـعـذرا
لايــارســولَ اللهِ لَــســتُ مُـوَفِــيــاً وَقَـــفَ الـثَـنـاءُ أمـامَـكُـم مُتَـحَـيـرا
لـكــن أقـــولُ لَـعَــلَ اللهَ يـجـزِيَـنـي خيـراً بِمَـدحِ مُحَـمَـدٍ خَـيـرِ الــوَرى
يـكـفــي بــــأنَ اللهَ فــــي قُــرآنِــهِ قـد أثبَـتَ الخُـلـقَ العظـيـم الأنــوَرا
يكـفـي بــأنَ الـنـورَ شَــعَ شُعـاعَـهُ لـمــا دعــــا للعـالـمـيـنَ وأخــبــرا
يكـفـي بِــأنَ المُسلِـمـيـنَ تَـوَحــدوا والمـنـهـج الـقــرآن نـــوراً نَـيِــرا
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ}
كريمٌ جمعَ عُرى الكرمِ ..
وكرم العطاء والبذل فالجودُ إليهِ ينتسبُ ..
ما قـال لا قـط ْ الا فـي تشهدهِ ..
لولا التشهـّد كانـت لاءه نـعمُ ..
دعوة ابراهيم ..
ونبوءة موسى ..
ترنيمة داوود ..
وبشارة عيسى ..
كان صل الله عليه وسلم في العطاء أكرمْ الناس
بجوارهِ ما عادَ لحاتم ذكرٌ ..
ولا ذُكِرَ غيرهُ مِنَ الكُرماء ..
"مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ،
فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ" [
وهاهو يومَ حُنين لما غَنِمَ المُسلمونَ غنائمَ كثيرة ..
فاقت الوصف مِنْ كثرتها ..
وتحَلّقَتْ حولهُ الناس يسألونهُ القسمة بينهم ..
والقول لجُبير بن مُطعمْ أثناء عودتهُ مِنْ حُنينْ قال ..
عَلِقَتْ [2] رسولَ الله الأعراب يسألونه، حتَّى اضطرُّوه إلى سَمُرَةٍ [3]، فَخَطِفَتْ رداءه، فوقف
"أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً، وَلاَ كَذُوبًا، وَلاَ جَبَانًا"[4]
وكان صل الله عليه وسلم ضاربًا المثل في العطاء بنفسه ..
وكان يحث أصحابهُ على العطاء والبذل ..
ويربيهم على الجود والمنح والكرم ..
ويربي الأمةَ بآسْرِها على هذا المنهج القويم ..
فالعطاء حياة والكرم نماء والسخاء رِفعة وأجرْ ..
فقال لهم ولنا صل الله عليه وسلم :
"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الآخَرُ:
اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"[5].
وكانت حياتهُ صل الله عليه وسلم تطبيقًا وواقعًا عمليًا لتعاليمهُ التي قَوَمّهُ عليها ربُ البريةِ سُبحانهُ وتعالى ..
فيُروى عن سهل بن سعد أنه قال:
جاءت امرأةٌ إلى النبي بِبُرْدَةٍ، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه.
فأخذها النبي محتاجًا إليها فَلَبِسَهَا ، فرآها عليه رجلٌ من الصحابة،
فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه، فَاكْسُنِيهَا.
فقال: "نَعَمْ". فلمَّا قام النبي لاَمَهُ أصحابه ،
قالوا: ما أحسنْتَ حين رأيتَ النبي أخذها محتاجًا إليها ثم سألتَه إيَّاها،
وقد عرفتَ أنَّه لا يُسْأَلُ شيئًا فيمنعه.
فقال: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حين لبسها النبي ؛ لعلِّي أُكَفَّن فيها.
وفي رواية قال سهل: فكانت كفنه[6].
1-صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول اللهشيئًا قط فقال: لا. وكثرة عطائه (2312)، وأحمد (12813)، وابن حبان (6373)، والفاقة: الفقر والحاجة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة فوق 10/315.
2- عَلِقَتْ به الأعراب أي: لزموه. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/159، وابن منظور: لسان العرب، مادة علق 10/261.
3- السمرة: شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/254.
4- صحيح البخاري عن عمرو بن شعيب: كتاب الخمس، باب ما كان للنبييعطي المؤلفة قلوبهم (2979)، والنسائي (3688)، وابن حبان (4820)، والموطأ برواية يحيى الليثي (977).
5 - صحيح البخاري عن أبي هريرة: كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى..." (الليل: 5-10) (1374)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك (1010).
6 - البخاري: كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (5689)، وكتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع (1987)، وابن ماجه (3555)، وأحمد (22876).