11*
مما يلفت الانتباه , ويُحيِّرُ العقول : كثرة المقاهي , التي تقدم السموم لروادها في نهار رمضان وليله , وكأنهم يعيشون في صحراء , جرداء , لا زرع فيها ولا ماء , ولا حياة لبشر فيها يراهم فينكر عليهم , أو يروه فيستحوا منه , قد وضعت ضمائر أصحابها في ثلاجة , وشُدَّ على قلوبهم فلا يفقهون حديثاً , ولا يعرفون رقيباً , لأن نواطير مصر قد نامت عن ثعالبها , فأفسدت الثعالب وفرَّخت , وتوالدت فانتشرت كالسم الزعاف يقذفه الآكل إلى فيه من غير علم بما فيه , فلا يزال يزدرده ويقاسيه , والسُّمُّ لا يترك آكله حتى يرديه , أو كالداء العضال الذي يستحيل على النُّطْسِ كُنههُ , أو وصف دواء يقلعه , أو رقية تدفعه , فلا يترك الداءُ مُبْتَلاهُ , حتى يواريه التراب , ويفقده الأصحاب , ويثكله الأهل والأحباب .
**********************************
لا تعجبوا للظلم يغشى أمة
فتبوء منه بفادح الأثقـــال
ظلمُ الرَّعية قوبـة جهلها
ألم المريض عقوبـة الإهمـال
إن أصحاب المقاهي مع روادها يصدق فيهم قول الشاعر :
كبهيمة عمياءَ قاد زمامهـا
أعمى على عوج الطريق الجائر
وإن أمة تسارع في افتتاح المقاهي في شوارعها , وميادينها , وحاراتها , وزقاقها , في مدنها وقراها , في عواصمها ومراكزها في أي وقت وفى أي مكان لهي أمة لاهية , بال الشيطان في رؤوسها , وفرَّخ الجهل في عقولها , إنها أمة هَمَل , لا وزن لها ولا قيمة , ولا يُشار إليها , ولا تُستشار , بل هي تُدار بلا شعار .
وإن أمة تشكو قلة الموارد , وكثرة السكان ثم هي تُزيد من نسبة العَطَلةِ , وتشيع روح الخمول والكسل عند الأفواه الجائعة , والأجساد العارية , والرؤوس الفارغة لهي أمة تؤسس لذهابها , وتؤصِّل لخرابها , وتؤذن بزوالها , وتعلن بأفولها وإدبارها .
بماذا تعود المقاهي على الأمة ؟ هل تدرب روادها على تقوى الله , ومراقبته ؟ أم تُعِدُّهم لحراسة الدين وسياسة الدنيا ؟ أم تُعَلِّمُهُم فنون الدفاع عن الأمة في ماضيها , وحاضرها , ومستقبلها ؟ وهل تزودهم بالحصانة والتحصين ضد التيارات الفكرية الهدامة , والمذاهب الإرهابية المخربة للعقول والديار ؟
******************************************
إنها كما هو مشاهد ، ومما هو معلوم من خلال الواقع المحسوس لا تخرِّج شيئاً من ذلك , ولا تثمر خيراً أبداً , ولا تنتج إلا المجاهرين بالفطر في رمضان , ولا تقدم للمجتمع إلا الخارجين على تعاليم الدين الحنيف , وتعاليم الدستور , وأعراف الأمة المسلمة الراشدة , وعاداتها الأصيلة , وأخلاقها الكريمة .
إن الدخان وهو حرام شرعاً , بلا خلاف في ذلك بين آحاد علماء الأمة , ومؤسساتها , وهيئاتها , ومجامعها , كما أن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان جريمة كبرى يجب سن القوانين والتشريعات المناسبة لردع فاعليها , وصيانة المجتمع من شرورهم ومفاسدهم .
والرسول الكريم -- يقول : ( إن مما أردك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت !! ) ( [13] ) , وليس معناه حرية الفعل والسلوك لغير المستحي , ولكن معناه : أن من ليس عنده حياء يعصمه من الزلل , ويحمله على مراقبة الله تعالى , وعلى عدم التقصير في حق كل ذي حق , فإنه يحمله على فعل القبيح , ويسلك به مسالك الغي والضلالة .
وقد مَرَّ النبي على رجلٍ يعظ أخاه في الحياء , كأنه يريد أن يقول له : إن الحياء قد أضرَّ بك , فلا تستحي !! , فقال له النبي - - : ( دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير ) ( [14] ) , وفي رواية : ( إن الحياء خير كله ) ( [15] ) .
وقال استحيوا من الله حق الحياء ) قالوا : إنا لنفعل ذلك يا رسول الله !! قال ليس ذلك , ولكن الحياء من الله حق الحياء أن تحفظ البطن وما حوى , والرأس وما وعى , وأن تذكر الموت والبلى, ومن فعل ذلك ترك زينة الحياة الدنيا , فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء !! ) ( [16] ) .
إن فتح المقاهي جريمة, وإدارتها في نهار رمضان أشدّ جرماً .
فيا عباد الله !! اتقوا الله , واستحيوا من الله أن تبارزوه بالمعاصي نهاراً جهاراً , وتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحاً عسى ربكم أن يغفر لكم ذنوبكم , ويكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار , ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر , وذلك هو الفوز العظيم .
الشيخ عبدالله السحت
الصوتيات
فى رمضان يكرم المرء أو يهان - وجدى غنيم
الشباب ونعمة الوقت - مسعد أنور
كيف تقلع عن التدخين - محمد إسماعيل المقدم
العبادة فى رمضان - نبيل العوضى
أوقات فــــراغ- حازم شومان
FONT="حديث حسن .
FONT="متفق عليه .
FONT="رواه البخاري ، ومسلم .
FONT="رواه الترمذي ، وغيره .
:nic23: