الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم به النعمة على العالمين
قال تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) [ المائدة (3) ].
والحمد لله الذى أرسل لنا هذا الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وختم به الأنبياء
والمرسلين وحذرنا سبحانه عن مخالفته
كما قال تعالى (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) [ النور (63)] .
وكما أمرنا سبحانه أن نأخذ ما أتانا به هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وننتهي
عما نهانا عنه كما قال تعالى
(( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) [ الحشر (7) ]
فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وعلى أصحابه الغر الميامين الذين تمسكوا بالوحيين وتنزهوا عما ليس من الدين.
أما بعد:-
فقد انتشر في الآونة الأخيرة بدع تكثر في رمضان تدعو لفعل شئ لم يامر به الله ولا نبيه صلي الله عليه وسلم
الصراخ والعويل والمبالغة في البكاء في صلاة التراويح: وليس هذا من هدي السلف رضي الله عنهم،
وهذه المبالغة تتسبب في انشغال المصلين، أضف إلى ذلك كثرة الحركات المصاحبة للبكاء، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسوة حسنة وهو أتقى الناس وأخشاهم لربه تعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
"دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسمعت في صلاته أزيزًا كأزيز المرجل"
رواه أحمد وأبو داود والنسائي ،
فالتكلف منهي عنه وهو مدعاة للرياء إلا من غلبه فهو معذور ولكن عليه مجاهدة نفسه، ولا يصلح التأثر من كلام البشر وعدم التأثر
من كلام رب البشر، وهذه مصيبة كثير من المسلمين- إلا من رحم ربي - في هذا الزمان تجدهم لا يبكون ولا يتأثرون عند سماع القرآن
وهو يتلى عليهم في الصلاة وعندما يبدأ الإمام في القنوت فإنهم يتأثرون ويبكون ويرفعون أصواتهم بالبكاء والعويل،
قال تعالى: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله".
بيان حكم البكاء في الصلاة والفرق بين التباكي والخشوع الكاذب
لقد انتشرت في المساجد في شهر رمضان
ظاهرة البكاء بصوت عال، يصل إلى حدّ الإزعاج، وتجاوز بعض الناس حدّ الاعتدال، وأصبحت هذه الظاهرة عادة عند بعضهم ألفوها،
فهم يتباكون لبكاء الإمام، أو المأمومين من دون تفهّم وتدبّر، فهل ورد في السنة الحثّ على التباكي؟ وما الفرق بين التباكي والخشوع الكاذب؟
هل من توجيه للأئمة المكثرين من البكاء، حيث يُخشى عليهم أن يداخل الرياء أعمالهم، ويزيّن الشيطان لهم فتختلف النيّة ؟
البكاء مسنون عند سماع القرآن، وعند المواعظ والخطب ونحوها، قال تعالى:
" إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا "
وروى أهل السنن ، عن عبد الله بن الشخير قال:"رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي،
وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء"
رواه أحمد وأبو داود والنسائي
، فإذا حصل البكاء في الصلاة لم تبطل إذا كان من خشية الله، وكذا عند سماع القرآن، حيث إنه يغلب على الإنسان،
فلا يستطيع رده، ولكن لا يجوز التكلّف في ذلك برفع الصوت عمدًا، كما لا يجوز المباهاة بذلك، وقصد الشهرة بين الناس،
فإن ذلك كالرّياء الذي يُحبط الأعمال، كما ورد في الحديث: " من سمَّعَ سمَّعَ الله به، ومن راءى راءى الله به "
[ متفق عليه عن جندب بن عبد الله] .
وهكذا لا يحسن البكاء تقليدًا للإمام أو لبعض المأمومين، وإنما يُمدح إذا كان من آثار الخشوع، والخوف من الله تعالى،
وقد ورد في الحديث:
" اقرأوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا "
والتباكي هو: تكلّف البكاء ومحاولته دون خشوع غالب دافع عليه،
وأما الخشوع الكاذب فهو: ترك الحركة، وسكون الأعضاء، دون حضور القلب، ودون تدبُّر وتفهم للمعاني والحالات.
وعلى الأئمة وكذا المأمومين محاولة الإخلاص، وصفاء النيّة، وإخفاء الأعمال، ليكون ذلك أبعد عن الرياء الذي يُحبطها،
فإن كثرة البكاء بدون دافع قوي، وتكلف التخشّع، ومحاولة تحسين الصوت وترقيقه ليكون مثيرًا للبكاء، ليُعجب السامعون والمأمومون به،
ويكثر القاصدون له، دون أن يكون عن إخلاص أو صدق، هو مما يُفسد النيّة، ويُحبط الأعمال، وقد يطلع على ذلك بعض من يسمعه.
والله علام الغيوب.
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين