بسم الله الرحمن الرحيم
(إنّ في خَلْقِ السّمــواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتي تَجْرِي فِي البَحْرِ بما يَنْفَعُ النّاسَ وَمَا أنْزَلَ الله مِنْ السّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأحْيا بِهِ الأرضَ بَعْدَ مَوتِهَا وَبَثّ فيْها مِنْ كُلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّياحِ وَالسّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالأرضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقلونَ) (البقرة: 164)
هذه الرسالة "المناجاة" التي هي الشعاع الثالث نوعٌ من تفسير للآية الكريمة المذكورة أعلاه.
يا إلهي ويا ربّي!
إنّي أرَى ببصيرة الإيمان وبتعليم القرآن ونوره وبدرس الرَّسُول الأكرم صلى الله عليه وسلم وبما يريه إسم الله "الحكيم" أنه:
ليس في السَمواتِ من دورانٍ وحركةٍ إلاَّ ويُشير الى وجودك ويدلُ عليه؛ بانتظامه البديع هذا..
وما من جِرم من الأجرام السَّماوية إلاّ ويشهد شهادة على ربوبيَّتِكَ ويشير اشارة الى وحدتِكَ ؛ بسكونها في أداءِ وظيفتها بلا ضوضاءٍ وببقائِها بلا عمدٍ..
وما من نجم إلاَّ ويشهد على عظمة اُلوهيّتِكَ ويشير الى وحدانيَّتِكَ؛ بخلقته الموزونة وبوضعهِ المُنتظم وبتبسُّمِه النُّورانيّ وبِمُمَاثلتهِ ومشابهته للنجُوم كافة..
وما من كوكبٍ سيَّار من الكواكب الإثنى عشر إلاَّ ويشهد على وُجُوبِ وُجُودِكَ ويُشيرُ الى سلطنة اُلوهيتِك؛ بحركته الحكيمة وتذلله المُطيع ووظيفته المُنتظمة وتوابعه المُهمة
نعم، مثلما تشهد السَّمواتُ مع ساكنيها، وكلُّ سماءٍ بحدِّ ذاتِها، فإنَّ جَميعها معاً تشهد بالبداهة شهادةً ظاهرةً جليَّةً على وُجُوبِ وُجودِك يا خالق السَّمواتِ والأرضِ َ وتشهَدُ شهادةً قويّةً صادقةً على وحدتك وفرديّتِكَ يامن تدير وتدبِر الذرات بمركباتها المُنظمة ويا من تُجري الكواكب السيارة مع توابعها المنظمة وتسخّرُها لطاعتك.. شهادة ظاهرةً قويةً تُصدّقها براهين نورانيَّة، ودلائل باهِرة، عدد النجوم التي في وجه السماء..
فهذه السّموات الصَّافية الطاهرة الجميلة تدل دلالة ظاهرة على هيبة ربوبيَّتِكَ وعظمة قدرتك المُبدعة.. وتُشيرُ إشارةً قويَّةً الى سعة حاكميَّتِكَ المحيطة بالسَّمواتِ الشاسعة، والى رحمتك الواسعة المحتضنة لكلِّ ذي حياةٍ.. وتشهدُ - بلا ريب - على شُمُولِ حكمتك لكلِّ فعلٍ وعلى إحاطة علمك بكُلِّ شئ، المنظمان في قبضتهما جميع شؤون وكيفيات جميع المخلوقات السّماوية؛ بأجرامِها التي هي في غاية الضخامة وفي غاية السُرعة، وبإظهارها اوضاع جيش مُنظّمٍ ومهرجانٍ مهيبٍ مُزيّن بمصابيح وضَّاءةٍ.. فتلكما الشَّهادة والدلالة ظاهرتان جليتان كأن النُجوم كلمات شهادة للسَّمواتِ الشَّاهدة ودلائلها الـمتجسّمة النُّورانية.. اما النُجوم السابحة في بحر السَّمواتِ وفي فضائها، فانها تُظهر شعشعة سلطان ألوهيَّتِك؛ بأوضاعها المُماثلة لجنود منصاعين وسفن منتظمةٍ وطائراتٍ خارقةٍ ومصابيح عجيبةٍ. ورفيقات شمسنا التى هى نجمة من ذلك الجيش ترنو الى عوالم الآخرة، وليست مُعطلة، بدلالة وظائف الشمس في سياراتها وفي أرضنا، ولربما هي شموس عوالم باقية.
يَا واجب الوُجُود! يَا واحدُ، يَا أحدُ!
إنَّ هذه النُجُوم الخارقة وهذه الشمُوس الضَّخمة والأقمار العجيبَة.. قد سُخِّرَت ونُظّمت ووُظِّفت في مُلكِكَ أنتَ، وفي سمواتِكَ أنت، بأمركَ أنت، وبقُوتِكَ وبقُدرتكَ أنت، وبإدارتكَ وتدبيركَ أنت.. فجميعُ تلك الأجرام العُلويّة تسبّحُ وتُكبّرُ للخالقِ الواحد الذي خلقها، ويجريها، ويديرها، وتقول بلسَان الحال: سُبحَان الله.. الله اكبر.. وأنا معها أُقدّسُك بجَميع تَسبِيحاتها.
يَامن اختفى بشدَّة الظُهُور! يَامن احتجبَ بعَظمة الكِبرياء!
يَا قدِيرُ ياذا الجلال! يَا قادر القُدرة المُطلقة!
لقد أدركتُ بِدَرس قُرآنك الحكيم وبتعليم الرَّسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه:
مثلما تَشهدُ السَّمواتُ والنجُوم على وجُودكَ وعلى وحدَتكَ، يَشهدُ جَو السَّماءُ كذلك على وجوب وُجُودك ووحدتك بسحابه وبروقه ورعوده ورياحه وأمطاره.
نعم، إن إرسال السَّحاب الجامد بلاشعور، المطَر الباعث للحياة، إغاثةً للمضطرّين من الأحياء، ليس إلاَّ برحمتك وحكمتك أنت، فلادخل فيه للمصادفة العشواء قط.
وكذا البرقُ الذي هوطاقة كهربائية عظمى، يشوِّقُ بسَنَاه الى فوائده النورانية، وينوِّر قدرتك الفاعلة في الفضاء على افضل وجه.
وكذا الرعد المبشر بقُدوم المطر، والذي يُنطِق الفضاء الواسع بتسبيحاته، فيُدوي في أرجاء السّمواتِ، يُسبّحُك ويقدّسُكَ ويشهد بلسَان المقال على رُبوبيَتكَ.
وكذا الرّياح المسَخَّرة بوظائف عدّة: كحمل أكثر الأرزاق ضرورة لمعيشة الأحياء وأسْهَلِها تناولاً وفائدة، ومنح الأنفاس وترويح الأنفس وغيرها كثير، تُشير الى فعالية قدرتك أنت، وتشهد شهادة على وُجُودِكَ؛ بتبديلها الجو - لحكمة - كأنه "لوح المحو والإثبات" فتكتب مايفيد وتمحو ما أفاد. كما انَّ "الرحمة" المستدرة برحمتك من السَّحاب والمرسلة الى الأحياء تشهد هي أيضا على سعة رحمتك، ووُسعةِ رأفتك؛ بكلمات قطراتها العذبة اللطيفة الموزونة المنتظمة.
انتظروا القادم ان شاء الله...