الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
احوال الرسول صلى الله عليه وسلم واوصافه قد بُيّنت على شكل سيرة وتاريخ.
الا ان اغلب تلك الاحوال والاوصاف تعكس بشريته فحسب، اذ ان الشخصية المعنوية لتلك الذات النبوية المباركة رفيعة جداً وماهيته المقدسة نورانية الى حدّ لا يرقى ما ذُكر في التاريخ والسيرة من اوصاف واحوال الى ذلك المقام السامي والدرجة الرفيعة العالية، لأنه صلى الله عليه وسلم في ضوء قاعدة "السبب كالفاعل" تضاف يومياً - حتى الآن - الى صحيفة كمالاته عبادةٌ عظيمة بقدر عبادات امته بأكملها.
وكماينال باستعداد غير متناه نفحات الرحمة الإلهية غير المتناهية بشكل غير متناهٍ وبقدرة غير متناهية، كذلك ينال يومياً دعاءً غير محدود ممن لا تحد من امته.
هذا النبي المبارك صلى الله عليه وسلم الذي هو انبل نتائج الكائنات واكمل ثمراتها والمبلّغ عن خالق الكون، وحبيب رب العالمين، لا تبلغ احوالُه واطوارهُ البشرية التي ذكرَتْها كتب السيرة والتاريخ الاحاطة بماهيته الكاملة ولا تصل الى حقيقة كمالاته.
فأنّى لهذه الشخصية المباركة الذي كان كلُّ من جبرائيل وميكائيل مرافقين امينين[3] له في غزوة بدر ان تنحصر في حالة ظاهرية أو ان تظهرها بجلاء حادثة بشرية كالتي وقعت مع صاحب الفرس الذي ابتاع صلى الله عليه وسلم الفرس منه ولكنه أنكر هذا البيع وطلب من الرسول الكريم شاهداً يصدّقه فتقدم الصحابي الجليل "خزيمة" بالشهادة له[4].
فلئلا يقع أحدٌ في غائلة الخطأ يلزم من يسمع اوصافه صلى الله عليه وسلم البشرية الاعتيادية ان يرفع بصره دوماً عالياً لينظر الى ماهيته الحقيقية، والى شخصيته المعنوية النورانية الشامخة في قمة مرتبة الرسالة، وإلاّ أساء الادب، ووقع في الشبهة والوهم.
ولإيضاح هذه المسألة تأمل في هذا المثال:
نواة للتمر وضعت تحت التراب فانفلقت عن نخلة مثمرة باسقة، وهي في توسع ونمو مطرد، أو بيضة للطاووس فقست عن فرخ الطاووس بعدما سلطت عليها الحرارة، وكلما نما وكبر اصبح اجمل وازهى، بما زيّن قلمُ القدرة على كل جهاته من نقوش بديعة رائعة.
فهناك صفات وحالات خاصة تعود لكل من تلك النواة ولتلك البيضة، ويحوي كل منهما مواد دقيقة لطيفة جداً.
والنخلة والطاووس كذلك لهما صفات عالية وكيفيات واوضاع راقية بالنسبة لصفات البذرة والبـيضة. فعندما تُربط اوصاف النواة والبيضة بأوصاف النخل والطير وتُذكران معاً، يلزم ان يرفع العقل الانساني بصره عن النواة الى النخلة وينظر اليها، وان يتوجه من البيضة الى الطاووس ويمعن فيه، كي يقبل تلك الاوصاف التي يسمعها. وبخلافه ينساق الى التكذيب حين يسمع احدهم يقول: "لقد اخذتُ طناً من التمر من حفنة من النوى، او هذه البيضة هي سلطان الطيور".
وهكذا فان بشرية الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم تشبه تلك النواة أو البيضة "في المثال" وماهيته المشعة بمهمة الرسالة مثلُها كمثل شجرة طوبى الجنة وطير الجنة في سمو ورقي.
لذا في الوقت الذي نفكر في النزاع الذي حصل في السوق مع البدوي، يلزم ان نرفع عين الخيال عالياً ونتصور الذات النورانية الممتطية الرفرف "البُراق"والمنطلقة سعياً الى قاب قوسين أو أدنى، تاركة خلفها جبريل عليه السلام. وإلاّ فان النفس الامارة بالسوء إما ستسئ الادب وتنحط الى درك قلة التوقير والاحترام، أو تزل قدماها الى عدم التصديق.
.........................................