بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
ان قوله تعالى: (أيحبُ احدكُم انْ يأكل لحم اخيهِ ميتاً فكرهتُموه)
COLOR=#333333[/COLOR]
تذم الذم في ست درجات وتزجر عن الغيبة في ست مراتب على النحو الآتي:
تنهى هذه الآية الكريمة عن الغيبة بست مراتب وتزجر عنها بشدة وعنف، وحيث ان خطاب الآية موجه الى المغتابين، فيكون المعنى كالاتي:
ان الهمزة الموجودة في البداية، للاستفهام الانكاري حيث يسري حكمه ويسيل كالماء الى جميع كلمات الآية، فكل كلمة منها تتضمن حكماً.
ففي الكلمة الاولى تخاطب الآية الكريمة بالهمزة: أليس لكم عقل ـ وهو محل السؤال والجواب ـ ليعي هذا الامر القبيح؟
وفي الكلمة الثانية: "يحب" تخاطب الآية بالهمزة: هل فسد قلبكم ـ وهو محل الحب والبغض ـ حتى أصبح يحب اكره الاشياء واشدها تنفيراً.
وفي الكلمة الثالثة: " احدكم" تخاطب بالهمزة: ماذا جرى لحياتكم الاجتماعية ـ التي تستمد حيويتها من حيوية الجماعة ــ وما بال مدنيتكم وحضارتكم حتى اصبحت ترضى بما يسمم حياتكم ويعكر صفوكم.
وفي الكلمة الرابعة: "ان يأكل لحم" تخاطب بالهمزة: ماذا اصاب انسانيتكم؟ حتى اصبحتم تفترسون صديقكم الحميم.
وفي الكلمة الخامسة: "اخيه" تخاطب بالهمزة: أليس بكم رأفة ببني جنسكم، أليس لكم صلة رحم تربطكم معهم، حتى اصبحتم تفتكون بمن هو اخوكم من عدة جهات، وتنهشون شخصه المعنوي المظلوم نهشاً قاسياً ، ايملك عقلاً من يعض عضواً من جسمه؟ اوَليس هو بمجنون؟.
وفي الكملة السادسة: "ميتاً" تخاطب بالهمزة: اين وجدانكم؟ أفسدت فطرتكم حتى اصبحتم تجترحون ابغض الاشياء وافسدها ـ وهو أكل لحم اخيكم ـ في الوقت الذي هو جدير بكل احترام وتوقير.
يفهم من هذه الآية الكريمة ـ وبما ذكرناه من دلائل مختلفة في كلماتها ـ ان الغيبة مذمومة عقلاً وقلباً وانسانية ووجداناً وفطرة وملةً. فتدبر في هذه الآية الكريمة، وانظر كيف انها تزجر عن جريمة الغيبة باعجاز بالغ وبايجاز شديد في ست مراتب. حقاًً ان الغيبة سلاح دنئ يستعمله المتخاصمون والحسّاد والمعاندون؛ لأن صاحب النفس العزيزة تأبى عليه نفسه ان يستعمل سلاحاً حقيراً كهذا.
وقديماً قال الشاعر:
واكبر نفسي عن جزاء بغيبة فكل اغتياب جهد من لا له جهد[1]
والغيبة هي ذكرك اخاك بما يكره، فان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته. أي اجترحت اثماً مضاعفاً.[2]
الا ان الغيبة وان كانت محرمة فانها تجوز في احوال معينة[3]:
منها: التظلم، فالمظلوم يجوز له أن يصف مَنْ ظلمه الى حاكم ليعينه على ازالة ظلم او منكر وقع عليه.
ومنها : الاستفتاء، فاذا ما استشارك احد يريد ان يشترك مع شخص في العمل او غيره، واردت نصيحته خالصاً لله دون ان يداخلها غرض شخصي يجوز لك ان تقول: "لا تصلح لك معاملته، سوف تخسر وتتضرر".
ومنها: التعريف من دون ان يكون القصد فيه التنقيص، فتقول مثلاً: ذلك الاعرج او ذلك الفاسق.
ومنها: ان كان فاسقاً مجاهراً بفسقه، لا يتورع من الفساد وربما يفتخر بسيئاته ويتلذذ من ظلم الآخرين.
ففي هذه الحالات المعينة تجوز الغيبة للمصلحة الخالصة دون ان يداخلها حظ النفس والغرض الشخصي، بل تجوز لاجل الوصول الى الحق وحده، والا فالغيبة تحبط الاعمال الصالحة وتأكلها كما تأكل النار الحطب. فاذا ارتكب الانسان الغيبة، او استمع اليها برغبة منه، فعليه ان يدعو: اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ولمِنْ اِغْتَبْنَاهُ[4]. ثم يطلب من الذي اغتابه عفوه منها، والابراء منها متى التقاه.
[1]ديوان المتنبي ص 198 ط. دار صادر. - المترجم.
[2]معنى الحديث في البخاري، الأدب 57. مسلم ، البر 70.
[3]انظر الأذكار للنووي /482-486
[4]انظر السيوطي ، الفتح الكبير 1/84