بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذة مذكرات العائلة المنشاوية ( عائلة القران ) ممكن التثبيت
1-مذكرات عائلة الشيخ صديق المنشاوي الزاهد وبيت القرآن
من صعيد مصر بالقرب من طيبة في حضن الجبل الغربي جاء لنا صوت الزاهد العارف بالله الشيخ صديق المنشاوي كأحد مؤسسي دولة التلاوة القرآنية مشاركا قمم القراء من الرعيل الأول في تأسيس طرق القراءة كان رفيقا لهؤلاء الشيوخ أحمد ندا ومنصور بدار والشيخ محمد سلامة والشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ الصيفي.. ولكن كان للشيخ صديق المنشاوي منهج خاص أختاره لنفسه, سلك طريق الزهد لم يسع للدنيا كان همه الأول خدمة القرآن.. للشيخ صديق المنشاوي حكايات وأساطير مع الزهد وحب الناس..
رفض الشيخ صديق المنشاوي بشكل قاطع أن يخرج من الصعيد ولم يقبل كل مغريات العاصمة وكان يردد دائما أنا لا أخرج من الصعيد ولا الصعيد يخرج مني.. اختاره أهل الصعيد ملكا متوجا لإمبراطورية الجنوب. لدرجة أن من المقولات السائدة هناك أن المأتم اذا لم يقرأ الشيخ المنشاوي فيه الأربعينية لم تعد وفاة وعليه أن ينتظر السنوية حتي يحضر الشيخ صديق.. كان لعائلة المنشاوي قصة مع دولة التلاوة لأنها لم تقتصر علي الشيخ صديق بل ضمت الشيخ المرحوم محمد صديق والشيخ محمود وظلت ماركة مسجلة لأهل الجنوب وأطلق علي العائلة بيت القرآن ونعيش معكم في ذكريات عائلة صديق المنشاوي والتي يرويها الشيخ محمود صديق المنشاوي. ويبدأ معنا من حكاية الأب المؤسس الشيخ صديق المنشاوي..
قصة بيت القرآن
يبدأ معنا الشيخ محمود صديق المنشاوي في سرد تاريخ العائلة من خلال الشيخ صديق فيقول توفي أبي الشيخ صديق عام1988. وكان عمره89 عاما ولذلك هو مولود في العام الأخير من القرن التاسع عشر.. والاسم الأصلي الشيخ صديق السيد تائب. وسمي باسم المنشاوي نسبة لبلده المنشاة وكان أبي الشيخ صديق المنشاوي من الرعيل الأول للقراء بدأ حياته كلها لخدمة القرآن وهو من عائلة قرآنية أزهرية حفظ القرآن علي يد والده جدي الشيخ السيد وختمه وعمره8 سنوات وكان والده السيد شيخا أزهريا وكان لديه مكان يحفظ فيه القرآن أما جدنا الشيخ تائب فكان أزهريا أيضا وكان موظف تلقي إشارات.. بعد أن اختار الانجليز من يجيد الكتابة ونظرهم6/6 ليعملوا في تلك المهنة في تلقي الاشارات وكان الجد تائب خطه جميل وكتب أربعة مصاحف بخط يده مازلنا نحتفظ بنسخة منها حتي الآن.
المهم أن والدي الشيخ صديق بعد أن حفظ القرآن علي يد والده بدأ يتعلم التجويد القرآني في أخميم.. وبدأ الشيخ صديق المنشاوي بعدها في الدراسة في الازهر وكان يتعلم قراءات القرآن من الشيخ محمد السعودي رحمه الله هو والشيوخ الكبار قبل الشيخ عامر عثمان والشيخ محمد الضباع.. وكان الشيخ سعودي يصطحب الشيخ صديق معه في بعض السهرات ويدفعه لان يقرأ معه أثناء دراسته في الأزهر.
فبدأ يقرأ الشيخ وهو صغير بعد أن انتهي من تعلم القراءت العشر الكبري ولكن كان مازال طالبا بالازهر وأنهي التعليم الأزهري وحصل علي العالمية الأزهرية.. ورجع إلي بلده في الصعيد وبدأ الناس يدعونه ليحيي الليالي ويقرأ القرآن حتي أصبحت له شهرة كبيرة وكان الناس في الصعيد لم يعتادوا أن يقرأ القرآن في شكل حفلات وكان الأمر يقتصر علي الخاتمة التي تقرأ في البيوت فالشيخ صديق مؤسس القراءة في شكل حفلات في الصعيد وتحول الأمر في الصعيد أن أي مناسبة لم يحيها الشيخ صديق لا تبقي مناسبة واتسعت شهرته بشكل كبير ولكن الشيخ صديق تمسك بالقراءة في الصعيد فقط وكان القراء الكبار من أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد سلامة والشيخ منصور بدار والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي وحتي مصطفي اسماعيل يسمعون عنه وعندما توجه لهم دعوة لسهرة في الصعيد يقرأ معهم وكان له عرف معهم أنه عندما يحضر أحد من القاهرة لايقرأ الا خمس دقائق فقط ويترك باقي السهرة للضيف المنتقل. كان يقول دائما أنتم ضيوف ولكم كل الضيافة.. كما أنه من عادته عندما يقرأ معه قاريء صغير يحتضنه ولو أخطأ يقف معه ويشجعه.
كان أبي الشيخ صديق المنشاوي لايشتهي من الدنيا شيئا ولايبحث عن المادة وكان زاهدا ولم يكن يقرأ القرآن من أجل المادة أو الحصول علي مال.. وكان بإمكانه أن يجمع مايشاء من أموال ويرفع سعره ولكن رغم أنه كان يقرأ منذ عام1910 حتي توفاه الله عام1988 لم يطلب أبدا أجرا أو يحدد مبلغا ماليا أجرا له في القراءة وكان يقول لنا دائما القرآن بركة اقرأه لذاته وكان يعيش الحياة بسر من أسرار الله.
لا أقول ذلك لانه أبي ولكن سيرته وحكاياته تكشف عن جزء من طبيعته ومن إحدي هذه القصص رواية تقول كان أبي الشيخ صديق المنشاوي في إحدي الليالي في الثلاثينيات من القرن الماضي وكان العرف أنه يتقاضي جنية ذهب وهذه الرواية حدثت تقريبا في مركز أولاد يحيي دار السلام حاليابسوهاج وبعد أن قضي والدي الليلة كان صاحب السهرة ويضع مليما في جيب مع الجنيه الذهب وهم الرجل أن يخرج الجنيه الذهب من جيبة ليعطيه لابي ولكن بدلا من أن يأخذ الجنيه وقعت يده في المليم وأخرجه ووضعه في جيب الشيخ صديق لانه من عادته أنه لايحب أن ينظر الي الأموال وذهب الشيخ صديق دون أن يعرف قيمة ما تقاضاه وثاني يوم اكتشف الرجل صاحب السهرة أنه أعطي الشيخ صديق مليما وليس الجنيه الذهب..وأسرع صاحب السهرة الي الشيخ يتأسف إليه في اليوم التالي عندما أدرك خطأه وقال له: معذرة ياشيخ أنا نسيت ووضعت بالخطأ المليم في جيبك بدلا من الجنيه وأنا قادم لأصحح الخطأ ولكن الشيخ صديق المنشاوي رفض أن يأخذ الجنيه الذهب وقال:نصيبي المليم والبركة فيه..ورفض أن يأخذ الجنيه الذهب ورد علي الرجل وقل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا
هذه واقعة أخري من الحكايات الغريبة في سيرة والدي الشيخ صديق المنشاوي في إحدي الليالي كان يرافقه في القراءة وأحد أسمه حسين الجبروي ويتخذه سنيدا له وكان معتاد أن يعطيه في كل ليلة عشرين قرشا وفي إحدي المرات أعطاه15 قرشا فقط فساله الشيخ حسين يامولانا هي الناس بتتقدم والا تتأخر دول15 قرش بس إيه الحكاية انت كنت قبل كده تعطيني20 قرشا قال له الشيخ والله هذه كل الفلوس اللي أخذتها في هذه الليلة ولم أسأل أصحاب السهرةغيرها..كان والدي الشيخ صديق المنشاوي له قصة عجيبة مازالت تتردد في مجالس الصعيد وهي أنه معتاد أن يسهر شهر رمضان في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين عند واحد أسمه محمد باشا حماده الشريف وكان يتاجر في القطن وفي عام جمع آلاف القناطير من القطن وكان سعر القطن في السوق33 جنيها..ولكن في هذا العام حدث هبوط كبير للبورصة نزل سعر القطن إلي9 جنيهات واعلن الرجل إفلاسه خاصة أنه عليه ديون في البنك وتم الحجز علي جميع ممتلكاته الا السراية الخاصة به فتركت له يعيش فيها ولكنه كان علي الحميد المجيد ولا يملك من حطام الدنيا شيئا.. وأتي شهر رمضان فكتب حماده باشا خطابا الي والدي الشيخ صديق فقال له أنا السنة دي نظرا لظروفي الصحية لن نقيم هذا العام وكان الرجل محرجا أن يقول له الظروف المادية ستمنعه وهذه طبيعة الصعايدة لايقبلون أن تمنعهم المادة..
المهم أخذ الشيخ صديق المنشاوي خطاب محمد باشا حماده وأغلقه وقبل أن يحل رمضان أخذ بعضه, وذهب للسرايا الخاصة بمحمد باشا حماده الشريف ولكنه كان مسافرا الي مصر وقام الشيخ صديق المنشاوي أخذ معه للسرايا وطلب من الخدام والمشرفين عليها أن يحددوا له كل مايلزم السهرة الرمضانية ذهب للسوق كل ملتزمات السهرة مابين الدقيق واللحمة والسمنة وقمر الدين والمكسرات مثلما كان يفعل محمد بيه حماده وكل الخزين الخاص بسهرة رمضان وفتح السرايا ودعا الناس للحضور وبدأ يسهر ويفطر الغلابة مثلما كان يحدث كل عام والسهرة لاينقصها شيء الا وجود محمد باشا حماده..
ومرنصف شهر رمضان وجاء محمد باشا حماده الشريف وفوجيء بما يحدث وظن أن هناك مأتما حدث في البيت لانه وجد السرايا ممتلئة ولكن اكتشف أنه في القصر فقال الشيخ صديق يسهر كل يوم..وجاء أخي المرحوم محمد سأله الشيخ صديق يا أبي الرجل ده مفلس ولايملك من حطام الدنيا شيئا وكان مصطفي باشا ابو رحاب من العسيرات صوته أتنبح أنك تسهر عنده وأنت ترفض وانت تسهر عند محمد باشا حماده وتدفع تكاليف السهرة من جيبك فقال له: يا محمد يا ابني الوفاء أنا أسهر عند الرجل لحد ما أموت أنا أو يموت هو وأنا لا أنسي لهذا الرجل أنني عندما كنت أدرس في الأزهر وأعيش في القاهرة وكان أول ماينزل محمد باشا حماده علينا في مصر يسأل عني ويذهب لي في السكن وكان يدرس معي الشيخ حسين مخلوف مفتي الديار المصرية الاسبق وكنا نعيش في نفس البيت ومعنا سبعة زملاء آخرين ولما كان ينزل حماده بيه الشريف يسأل عنهم يأتي الي في البيت ويعطينا50 قرشا وكان هذا المبلغ في هذا الوقت سنه1910 كما قال أبي لشقيقي الشيخ محمد صديق يصرفون منه لمدة15 يوما ويعيشون به أحلي عيشة كل من في البيت منها أحلي عيشة ونستمتع بهذا المبلغ وقتها كان جوز الحمام بثلاثة تعريفه وكان يقول أبي كنا نقعد نصرف15 يوما من الخمسين قرشا بتاعة محمد باشا حماده أنا وزملائي ولأجل ذلك لا يمكن أن أترك هذا الرجل أبدا..وظل أبي يحيي السهرات الرمضانية ثماني سنوات ويصرف عليها..
2-مذكرات عائلة الشيخ صديق المنشاوي
الليالي القرآنية في الجنوب مثلالمهرجان
تطبع الدعاوي وتوزع في المحافظات علي السميعة
الشيخ صديق المنشاوي كان يعيش بسر إلهي
حفظنا القرآن أنا وأخي الشيخ محمد علي يد أبي ولو أخطأنا كان يضربنا
يستكمل معنا اليوم الشيخ محمود صديق المنشاوي سرد حياة عائلة المنشاوي بداية من سيرة الأب الكبير صديق المنشاوي أحد عمالقة القراءة في دولة التلاوة والذي امتاز علي مدار طول حياته بالزهد ورغم سمعته وصيته الذي ملأ مصر كلها في فترة الخمسينيات والستينيات الا أن الشيخ أصر علي أن يبقي في الصعيد لا يخرج منه مما جعل اسمه محفورا وسط الصعايدة
وقد ارتبطت عائلة صديق المنشاوي بناس الجنوب بشكل غريب وهو ماتكشف عنه حلقة اليوم في مذكرات عائلة صديق المنشاوي التي يرويها الشيخ محمود صديق المنشاوي ويكشف فيها مبدأ الشيخ صديق في رفضه طلب أجر عن قراءته ولم يحدد في يوم من الايام سعرا له رغم شهرته الكبيرة وتهافت الناس علي سماعه ولكنه لم يقم أي حساب ويقول الشيخ محمود صديق المنشاوي وهو يسرد مذكرات عائلته كان أبي الشيخ صديق يعيش بسر من أسرار الله.
وأنا في مبدأ حياتي وتعليمي في الأزهر وتنقلي وجوازي لم أصرف قرشا من جيبي وكان والدي يتولي كل أمر العائلة وكان بيتنا مفتوحا للضيوف طوال الوقت وعلي أتم استعداد وكان العشرات يدخلون يوميا ولم يكن أبي ذا مال كثير بل لم يكن الشيخ صديق يهتم بأن يجمع الأموال, ولم يسأل في يوم من الأيام عن أجر أو يطلب أي شيء وكان ممكنا أن يدفع من جيبه ولا يأخذ.
وكان الشيخ صديق لايتعالي علي أحد بمجرد أن يأتيه تليفون من أي شخص في محافظات الصعيد يلبي طلبه فورا طالما لم تكن لديه سهرة في يومها وجدوله يتيح له ذلك, وكان الطلب علي الشيخ صديق بالعشرات لدرجة أن بعض العائلات كانت تؤجل مناسباتها حتي تتناسب مع وقت الشيخ صديق وقد سرت مقولة في الصعيد تقول من مات ولم يقرأ في مأتمه صديق المنشاوي لم يمت رغم أن الشيخ لم يكن يقرأ عقب المأتم لانه في الصعيد زمان كانت تصل أيام المآتم إلي15 يوما وكان الشيخ صديق اما يقرأ في الأربعين اوالسنوية؟؟وكان جدوله مزدحما علي مدار العام غالبا الثلاثين يوما في الشهر كان يسهر فيها ثلاثين ليلة ورغم كل ذلك لم يفكر أبي في يوم من الأيام أن يحدد أجرا له وكان يرضي بالقليل وأقل من القليل, ورفض مطلقا أن يرفع أجره ولو من نوع تقليل الطلب عليه, مع أنه كان صاحب مصروفات كثيرة وكنت أسأل نفسي دائما من أين تاتي الفلوس لابي؟ ولا أجد اجابة إلا الله أعلم لانه كان يعيش بسترغريب ولم يأت يوم من الأيام واحتجنا الي أي شيء..
ويقول الشيخ محمود...لم يكن والدي الشيخ صديق المنشاوي يذهب للقاهرة أو وجه بحري ليس لأنه لا يرغب في أن يترك الصعيد او انه لايحب القراءة في وجه بحري..ولكن يرجع ذلك لسبب بسيط أن الشيخ كان لديه في30 ليلة في الشهر30 ليلة كلها في الصعيد. ودائما النوتة الخاصة به ممتلئة ومزدحمة. ولم يكن يجري مفاضلة بين الليالي كما ان غالبية السهرات في القاهرة كانت مآتم أما في الصعيد فكانت سهرة عادية عبارة عن حفلة تتم دعوة لألف من محافظات الصعيد عنده سهرات وليس مأتم وكان يقول انا فاضي يوم كذا. فيتم تحديد الميعاد وكان مستحيلا ان يرفض الشيخ طلب احد. كما اني اعتقد ان نوعية السهرات القرآنية في الصعيد تختلف عن الوجه البحري كانت سهرة القرآن في الجنوب لها وضع مختلف عبارة عن مهرجان او مولد كبير عن صاحب الليلة يدعو له الجماهير بالآلاف, كما كانت علاقة الشيخ صديق بقرائه علاقة روحانية لان اعجابهم بالشيخ صديق والسعي لسماعه ليس مجرد الاستماع لصوته بل حبهم لطريقة حياته وكانت القصة انهم احبوا القاريء وكانت للشيخ صديق جماهير وشعبيته كبيرة جدا في محافظات سوهاج واسيوط وقنا. وبعدها المنيا واسوان..
ووالدي رحمة الله عليه عاني وتعب جدا من عمله في القراءة لان الصعيد ممتد علي طريق طويل من اسوان حتي بني سويف, ووالدي لم يكن ينظم حياته كان يذهب ليلة في اسوان وتاني ليلة في اسيوط وثالث يوم يرجع يروح في كوم أمبو. ولا يشتكي لاحد طول عمره ما فكر يحدد له اجرا. وكان الشيخ صديق المنشاوي يمتاز بانه يحب الاطلاع علي كتب الشريعة والكتب الثقافية والسياسية والادبية. وكون اربع مكتبات. ولذلك كان يتحدث في اي مجال ومن عاداته ايضا انه عندما كان ينزل من القطار ووجد كتابا لو سعره عشرة قروش وهي اللي في جيبه يشتري الكتاب بها.. وكان يحب الاطلاع علي كل مناحي الحياة.
ومن الاسرار في حياة ابي انه يعد من اولياء الله وكان ملقبا باسم العارف بالله صديق المنشاوي وكانت له رفقة طريقة وزمالة من الشيوخ من امثال ابو الوفا ابو شرقاوي وفضيلة الشيخ احمد رضوان في قرية بغدادي بالاقصر, وامثالهما كثيرون وكان الشيخ صديق لا يبارح مجلسهم. من هذه البيئة تعلمنا الكثير وكنا محاطين دائما بخوف اننا ابناء صديق المنشاوي فلا مجال لأن نخطئ لان سمعة والدنا كانت تسبق كل شيء وحتي لا يقول الناس اولاد الشيخ صديق فعلوا كذا. وكان ابي الشيخ صديق يربينا بطريقة اتقوا الله يعلمكم الله وكان الشيخ صديق له سمعة طيبة ونحن كنا نخاف ان نلوث هذه السمعة وابي هو الذي علمني انا واخي الكبير الشيخ محمد صديق المنشاوي القرآن ولذلك سرنا علي نهجه في البداية تعلم شقيقي المرحوم محمد وهو مواليد عام1920 علي يده القرآن ثم اكمل دراسة الازهر.
ثم بعدها صار له صيته في عالم التلاوة.. واتذكر انه عندما كان يقول لنا ابي مثلا انه سوف يسمع لكم من سورة كذا كنا نعمل لكلامه الف حساب وكان يضربنا وافتكر انه قال لي انا سوف اسمع لك سورة الحجرات وهي من السور الصعبة التي تحتوي متشابهات كثيرة وانا في هذا الوقت عمري كان تسع سنوات وكنا في غياب الشيخ صديق نحب ندلع نلعب ولم اهتم بالحفظ وجاء وقت التسميع ولم اكن مجيدا ولم اعط للسورة اهمية فأخطأت فأخذت علقة لا انساها طول عمري ومن يومها حفظت سورة الحجرات مثل اسمي لاننا كنا نعمل له الف حساب...
كنا ثلاثة اخوة اخي محمد الكبير وتوفي عام1969 في حياة ابي وذاع صيته وله عدة قراءات تسمع في الاذاعة وكان الشيخ محمد يلازم ابي وكان ايضا حريصا علي ان يقرأ القرآن في الصعيد ولم يخرج عن الجنوب كثيرا, وكان امتدادا لابي ولكنه توفي صغيرا توفي عام1969 وعمره حوالي49 عاما ولكن رغم ذلك حقق شهرة ومازالت بعض قراءاته تذاع للآن في اذاعة القرآن الكريم.. اما انا كنت الابن الوسط في عائلة صديق المنشاوي وولدت في عام1942 وكانت البيئة حولي كلها قرآنا ابي يقرأ وشقيقي الاكبر بدأ طريقه في القراءة وانا سلكت نفس الطريق.. وكان لنا اخ ثالث اصغرنا وهو المرحوم احمد وتوفي وهو صغير في حادثة وعمره19 سنة وكان كل من سمعه يقول عنه انه سيكون اسطورة في التلاوة ولكن الموت عاجله...
وامتداد العائلة موجود حتي الان فيوجد ابني صديق الصغير وعمره30 عاما يقرأ القرآن الكريم وهو يعد امتدادا للعائلة في القراءة وكان ابن اخي د. عمر محمد صديق صوته جميلا ولكنه للأسف لم يكمل القرآن وهو حاليا استاذ في كلية العلوم. ابني صديق الصغير اختار بنفسه ان يكون قارئا وهو مثل باقي العائلة ايضا لا يحب القراءة الا في الصعيد ويرجع ذلك لأن الناس في الصعيد ارتبطوا بنا ونحن ارتبطنا بهم ونتذكر دائما مقولة والدنا الشيخ صديق الكبير انا لن اخرج من الصعيد والصعيد لن يخرج مني.. ونحن اعتدنا علي القراءة في وسط هؤلاء الناس.
وليس الامر تعصبا لان الليالي القرانية في الصعيد مازالت تحتفظ بشكل خاص وهي تشبه المهرجان مثلا فيه ليلة في اسيوط او سوهاج لمحمود المنشاوي يتم الاعلان عنها وطبع دعاوي تصل لعشرة آلاف دعوة وتوزع علي المحافظات ويتم تجهيز ليلة خاصة يأتي السميعة من كل مكان ليأخذوا العشاء ويشربوا الشاي او القهوة.
وبعدها تبدأ السهرة ينتظر السميعة الشيخ ويظلون معه طوال الليل... واعتقد ان هذا النظام اختفي من الوجه البحري والقاهرة وهو ما يجعلنا نتمسك بالقراءة في الصعيد ولكن لا يمنع ذلك من ان نقرأ في اي مكان اخر طالما كنا في خدمة القرآن وحاليا انا اسافر لخارج مصر واقيم حفلات في القاهرة.. ولكن ارتباطنا بالصعيد.. امر مختلف, ولن ننسي مقولة الوالد لن اخرج من الصعيد والصعيد لن يخرج مني..
3- مذكرات عائلة الشيخ صديق المنشاوي
الإذاعة انتقلت للصعيد وسجلت للشيخ35شريطا مسحها الموظفون
من الجوانب غير الايجابية لعدم قراءة الشيخ صديق المنشاوي وابنه الشيخ محمد صديق خارج الصعيد ندرة التسجيلات للقرآن بصوتهما خاصة الاب الشيخ صديق فرغم السمعة الكبيرة التي حظي بها لكن لايوجد له أي انتاج مسجل. خاصة بعد رفض الشيخ أن يترك الصعيد ويذهب للقراءة في الإذاعة بل أنه لم يقبل أصلا مجرد اجراء اختبار لدخول الإذاعة وكان كبرياؤه الصعيدي يمنعه من دخول أختبار أو حتي السعي للحصول علي موافقة بالقراءة في الإذاعة.. غير أن الشيخ محمود صديق المنشاوي يكشف لنا في سرد مذكرات العائلة أنه توجد سبع حفلات مسجلة بصوت الشيخ صديق المنشاوي يتم عملية ترميم لها حاليا وسوف تري النور قريبا.. وهو ما يشرحه في حلقة اليوم.
يقول الشيخ محمود صديق رغم أن والدي الشيخ صديق وأخي الشيخ محمد كان لهما صيتا وسمعة كبيرة في الخمسينيات والستينات ولكن لم يلتحقا بالإذاعة ورفضا أن يجريا اختبارات أو يتقدما للإذاعة ولكن بعض أصدقاء أمين حماد رئيس الإذاعة في الخمسينيات خاصة من الصعيد الذين سمعوا صوت الشيخين حكوا لأمين حماد عنهما أنهما يقيمان في الصعيد فطلب منهم أن يحضرا للاختبار في الإذاعة. فقالا لهم لا لن يقبلوا وسيقتلهما الخجل ولا يحبان أن يقال عنهم أنهم سعيا للشهرة للقراءة في الإذاعة وأنهما لن يحضرا للقاهرة مهما كان الأمر. وعرضوا عليهما أن يقوم فريق من الإذاعة بتسجيل لهم في الصعيد فوافق.
وبالفعل انتقلت الاذاعة لتسجيل صوت الشيخين في الستينيات وكانت سهرة رمضانية للشيخ صديق المنشاوي في بيت أبو رحاب في العسيرات بسوهاج وتم تسجيل35 تسجيلا صوتيا له. كما قامت الإذاعة أيضا باجراء تسجيل للشيخ محمد صديق أثناء سهرة له في بيت حزين بقنا ووصل عدد الأشرطة التي سجلت35 شريط وتمت أذاعة هذه التسجيلات وكان صابح يوم عيد الفطر وشغلوا شريطا للشيخ صديق وآخر للشيخ محمد وسمع الناس لاول مرة صوتهم في الإذاعة وتم عرض الشرائط علي لجنة وتمت إجازتهما.. وبعدها لم يتم اذاعتهما ثانية لأن الاشرطة وقتها كان بها مشكلة لانهم يريدون أن يجددوها بمدة نصف ساعة والتسجيلات كانت ساعة إلا ربعا وطلبوا من الشيخ محمد أن يذهب للقاهرة ليقوم بالتسجيل وضبط الصوت وذهب الشيخ محمد بالفعل وقاموا بتعديل الاصوات وهذه التسجيلات التي تذاع حاليا بعد صلاة الفجر. وبعثوا للشيخ صديق المنشاوي أن يحضر ليجري التعديلات فقال لهم مقولته الشهيرة أنا لا أستطيع أن أسيب الصعيد والا الصعيد يسيبني وتم أهمال الأمر وللأسف أنا بعد وفاة الشيخ صديق المنشاوي ذهبت للإذاعة وكان يوجد في ذلك الوقت الشاعر محمود حسن إسماعيل وهو صعيدي من الننخيلة بأسيوط
وقصصت عليه قصة التسجيلات الخاصة بالشيخ صديق المنشاوي فقال تأتي معي ونبحث عن هذه الشرائط وذهبت له وبحثنا في الاشرطة وبالفعل وجدنا الشرائط الـ35 مسجلة باسم الشيخ صديق السيد. وفتحنا الاشرطة وبدأنا نشغلها وكنا نفتح شريطا مسجلا عليه عبدالحليم حافظ ونجاة وآخرين فاكتشفنا ان الشرائط اتمسحت لو أنها كانت موجودة فأغلفة الشرائط مسجل عليها صديق السيد ولكن الشرائط عليها أغنيات لعبد الحليم حافظ وواضح أن الموظفين في الإذاعة قاموا بالتسجيل علي تلك الشرائط لتضيع التسجيلات بصوت الشيخ صديق..!! للأسف لم يتم تسجيل كثير من التسجيلات بصوت الشيخ صديق المنشاوي, رغم أني أحضرت جهاز تسجيل للشيخ صديق في الستينيات والسبعينيات ولكن لم يتم التسجيل غير أنني تمكن من جمع سبع حفلات لوالدي من بعض محبيه ولكنها مهلهلة وتحتاج لترميم وتوضيب أسعي حاليا إلي أن أعيد توضيبها وأما الشرائط الموجودة في الإذاعات فلم يبقي منها سوي سته أشرطة للشيخ صديق سجلتها له الإذاعة البريطانية. أما الإذاعات المصرية فالشرائط التي سجلت له ضاعت بعد أن أعيد التسجيل عليها كما رويت لكم..
وبالطبع كان الشيخ صديق لا يهتم كثيرا بأمور الدنيا وهو يسعي للناس فلم يهتم بالتسجيل وكانت الحياة عنده تسير بالبركة وكان ربنا معاه فمثلا زمان عندما كانت تتم دعوته لسهرة كانت المواصلات شحيحة وكان يأخذ بعضه ويتحرك بمجرد أن يعرف أسم الشخص والمكان التابع يخرج من البيت ويذهب له ولايجد أحد ينتظره فلا يغضب.. وفي أحد المرات دعاه واحد في قرية بالقرب من ديروط بأسيوط والذي دعاه كان قاصد يجيب الشيخ صديق وخلاص وليس عنده سهرة في هذا اليوم..! فذهب الشيخ له فقال لا أنا لغيت السهرة فعاد ولم يغضب وهو في الطريق قابله ناس في قرية بجوارها وكانوا عاملين سهرة ولكن القارئ المفروض أن يحيي هذه السهرة لم يأت وكان الناس منتظرين القارئ وعرفوا انه لن يأتي لظروف أصابته, وعرفوا أن الشيخ صديق موجود فذهبوا إليه قبل أن يرجع لسوهاج ليحيي لهم السهرة فوافق, وهو لم يكن يخجل طالما يقرأ للناس القرآن فكان الأمر له رسالة..
كما كانت للشيخ صديق مبادئ غريبة في الحياة فهو زاهد في كل شيء وكان يتعامل مع الكوارث برضا مثلا الوالد يزعل ويتضايق علي فقدان الصديق أما فقدان أبنائه وكان يقول الابن مثل هدية أو عطية من الله وربنا أخذ هديته هنقول له لا وعندما توفي أخي أحمد وكان شابا صغيرا وتوفي في القاهرة وكان جثمانه في القطار وكان في كابينة وبالصدفة جمعه مسافرون يعرفونه فظل يتسامر معهم حتي وصل لمحطة المنشاة جنوب سوهاج مباشرة أول ما وصل كانت الناس تنتظره وهناك من يبكي عليه وفوجئ القادمون معه فقالوا خير يا سيدنا الشيخ فقال لهم انه أحمد صديق ابني توفي وتعجب الناس من أنهم ظلوا معه من القاهرة حتي سوهاج ولم يخبرهم بشيء فقال لهم وهو ابني أمانة من الله وربنا أخذ أمانته هقول لا. كما انه عندما توفي أخي الشيخ محمد في حياة أبي تعامل مع الموقف وحمد الله.
كما كان الشيخ صديق لا يحب المظهرية نهائيا ويحب البساطة فمثلا جاء ضيوف عندنا في البيت وانا كنت في مرحلة الشباب وكان أبي اجتماعيا يحب الحديث مع الناس فهمست في إذنه أن يتحدث مع الناس حتي نجهز أكلا لهم وكان عددهم حوالي سبعة فقال لي لا يأكلوا معنا من الأكل الموجود ننزله, ممكن حد فيهم جعان من الافضل أن يأكل الموجود أحسن من أن ينتظر وقال لي لو جاء إليك ضيف لا تجدد له الأكل أوضع أمامه الموجود في البيت ولو عيش وبصل الرضا والبساطة تحل البركة وانا متذكر هذا اليوم كنا حوالي عشرة أفراد أكلوا وشربوا وشبعوا وكأن الأكل لم يمس هكذا ربنا أبي وكان يحب أن يغرس فينا تلك الصفات.
بالنسبة لشهرة الوالد وسمعته فرضت علينا الالتزام لأننا أبناء الشيخ صديق. لا نقعد في شوارع عشان سمعه الشيخ ولكن سمعة والدنا أفادتنا كثيرا وطلعنا نشوف الناس بتحب الشيخ صديق وأولاده وكان يلقبونه بيت القرآن وأنا بعد أن بدأت القراءة في سهراتي لم أتعب ووجدت الناس تحبني وتحتفي بي بصورة ليس لها مثيل.. والناس تقيمني أنني ابن الشيخ صديق.. وكان حبهم للشيخ صديق فوق كل شيء أي حاجة كانوا يحبوها ويقيموها بغض النظر عن الصوت والاداء ولكننا عملنا شخصية لأنفسنا في القراءة.
وأنا أتذكر أنني في أول مرة قرأت فيها في حياتي وسط جمع كان عمري12 عاما ولم يكن جمعا تقليديا أنا قرأت وقتها في الليلة الأخيرة من مولد سيدي عبد الرحيم القناوي وأرسلني أبي وقال لي اذهب اقرأ في مولد سيدي عبد الرحيم وانا قبلها لم أكن أقرأ في سهرات نهائيا وكان أقصي شيء أن قرأت في غرفة أمام عشرة أو15 فردا.. وذهبت هناك وأول ما وصلت وسط الجمع الكبير اتخضيت, والناس كلها بتقول ابن الشيخ صديق واخو الشيخ محمد هيقرأ. المهم الليلة بدأت ووجدت الناس شالوني ووضعوني علي الدكة وقدموني في الميكروفون نعيش الليلة مع الشيخ محمود صديق المنشاوي.. ومسكت الميكروفون وقرأت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وشعرت بأنني في حالة خرس وظللت صامتا بعدها لمدة ثلاث دقائق ونسيت كل القرآن وكأني لم أقرأ مطلقا وظللت جالسا وقلت يا سيدي يارسول الله يارب.. وبعدها نطق لساني وتذكرت وقرأت بداية من الآية الذي خلقني فهو يهديني والذي يطعمني ويسقين واكملت حتي نهاية السورة.
وكانت لي مواقف كثيرة في حياة القراءة خاصة في الخارج وذلك للمكانة الكبيرة التي يكنها العالم الإسلامي للقراء المصريين وأحد هذه المواقف التي تعرضت لها كنت في ماليزيا ونزلت من الطائرة واخذت سيارة وأنا في طريقي للفندق سمعت تنويها في الراديو وصل اليوم لماليزيا الشيخ محمود صديق المنشاوي ومن يرغب في توجيه أسئلة إليه يتوج للمسجد الكبير أنا سمعت الكلام قلت ايه انا رايح أقرأ قرآن بس انا مش مفتي. وصلت للفندق وفتحت التليفزيون وجدت نفس الكلام اللي بتقوله الاذاعة أنا كنت في شهر رمضان ولم أعرف أفطر من الرهبة وقلت أن أعمل ايه أنا مالي بالفتوي. وذهبت مع العشاء للمسجد ووجدت ورق الاسئلة أكواما اتخضيت وأقاموا للعشاء وصليت وأنا لم أكن أرغب في انهاء صلاة العشاء وبعدها قرأت نصف ساعة. وجلست وقلت يارب استرها. وبدأت الاسئلة طبعا انا مكنتش أقدر أقول لأ لأني مبعوث من الأزهر والناس منتظرة أجابتي ولكن الحمد لله وجدت الاسئلة سهلة من نوعية كفارة الفطور في نهار رمضان؟ أو نقائض الوضود؟ ومثل هذه المسائل وكانت الأمور سهلة فأجبت عنها بسرعة وقلت في نفسي لو الحكاية سهلة كده ممكن أبقي مفتي..
ولكن بالطبع اكتشفت أن العالم الإسلامي يكن لنا وضعا خاصا وسط علماء المسلمين لأننا بلد الأزهر وربما يكون ذلك سرا من أسرار تميزنا في التلاوة..
4 - مذكرات عائلة الشيخ صديق المنشاوي
تنوعت أساليب القراء ولكن الطريقة المصريةتميزت بلون خاص
بينما كان يعبر صوت الشيخ مصطفي إسماعيل من طنطا وعبد الفتاح الشعشاعي المنوفية عن صوت فلاح الدلتا المصرية, ومن شمالها جاء لنا الشيخ أبو العينين شعيشع من كفر الشيخ. وأمدنا الصعيد بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأصوات عائلة صديق المنشاوي ممثلين في أبناء الوادي الجنوبي في أحد أقطاب القراءة المصريين.. ورغم التنوع والإبداع الشخصي لدي كل واحد منهم الا أن سمات التلاوة المصرية متكاملة وتبدو أنها مدرسة واحدة توجد بداخلها أساليب مختلفة لكن المنهج واحد لتظهر لنا المدرسة المصرية هي صاحبة سر عجيب لأنها لم تضاهها قراءات أخري في دول العالم الإسلامي الممتد.
ولذلك حاولنا أن نبحث عن إجابة لسر التميز من خلال حلقاتنا التي عشنا فيها معكم خلال شهر رمضان مع مذكرات وسيرة شيوخ القراء وقدمنا فيها تجربة حياتهم وتفسيرهم لسر تفرد القراءة المصرية التي عبتر عنها المقولة أن القرآن قرئ في مصر رغم أنه نزل في مكة والمدينة وطبع في أسطنبول. ويدل ذلك علي أن الصوت القرآني في مصر له نكهة ومذاق خاص.. وهو ما فسره لنا الشيخ مصطفي إسماعيل في مذكرات وارجع هذا التميز الي أن القراء المصريين أجادوا التلاوة للقرآنية بالنغم وهي الطريقة التي أكتسبوها من كتاب القرية.
بينما ذهب الشيخ أبو العينين شعيشع الي أن اللهجة المصرية هي سر التميز نجد أن الشيخ محمود صديق المنشاوي يذهب بنا لأن سر تميز القراءة المصرية يعود في الأساس للأزهر الشريف الذي وفر حالة من إرتباط المصريين بالقرآن وجعله جزءا من بناء المصري لأنه وهو طفل يدخل الكتاب استعدادا لدخول الأزهر وفيه يتعلم أصول التجويد. وهو ما يرويه لنا اليوم الشيخ محمود صديق المنشاوي في الحلقة الأخيرة من مذكرات عائلة الشيخ صديق المنشاوي ويشرح فيه مدرسة والده وشقيقه محمد المنشاوي ويقول الشيخ محمود المنشاوي في المذكرات كان أسلوب أبي الشيخ صديق المنشاوي في القراءة شبيها أو إمتدادا للشيخ أحمد ندا ـ الأب الروحي للقراء المصريين ـ ولكن أمتاز صوت الشيخ صديق بأنه قوي وكان يقيم حفلات في الصعيد في ساحات ضخمة رغم عدم وجود ميكروفونات في بداية ظهوره.. ولكن صوته يرج المكان وكانت الاستعاذة عنده ترج الدنيا وصوته في أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مثل الجواب الجواب أعلي طبقة صوت عند أي قاريء آخر.
وكان القراء عندما يسمعون صوت الشيخ صديق يتخضوا.. ومن المواقف الطريفة أن أحد القراء من طنطا كان اسمه الشيخ أحمد, حضر مع أبي الشيخ صديق ليشاركه في القراءة في ليلة مولد سيدي عبد الرحيم القناوي ومعروف أن الليلة الأخيرة لسيدي عبد الرحيم القناوي, يحضرها مئات الألاف من الجمهورية وخاصة الصعيد.. وحضر الشيخ أحمد الطنطاوي وتعرف علي الشيخ صديق... ولاحظ أبي أن القاريء الضيف عنده رهبة فقام وقدم له التحية وحاول أن يجعله يقرأ في البداية ولكن الشيخ الطنطاوي رفض وقرأ الشيخ صديق في البداية وأول ما قرأ الشيخ صديق أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهام الناس مع قراءة أبي,, أصيب الرجل بالخضة وقال أنا أقرأ أزاي بعدك ياشيخ صديق وحاول أن يتهرب من القراءة ولكن الشيخ صديق قام بتهدئته وأصر علي أن يقرأ.
والقصة لم تكن لدي الشيخ صديق في قوة الصوت فقط بل أيضا والورع والتقوي لديه وههما مهمان لأنهما يمكنان من الغوص في معاني القرآن وكان الشيخ صديق أستاذا لي ولاخي المرحوم الشيخ محمد وتعلمنا منه الكثير. ولكن أثناء القراءة معه كان يعتبرنا الشيخ صديق مثل زملائه, ولسنا أبنيه وعندما نقرأ أمامه يحب أن يستمع الينا ويحب أن يري ماذا نفعل ويثني علينا إذا أعجبته قراءتنا. ودائما كان ينصحنا ويقول لنا لازم تجعلوا صوتكم طبيعيا ولا تقلدوا أحدا.. وبالقطع نحن تأثرنا به وانا تأثرت بأخي الشيخ محمد لأنني كنت أستمع لهما ولكن التأثير لدينا شيء طبيعي وليس تقليدا بل هو تشابه أو إمتداد وذلك يرجع لعوامل كثيرة سواء في المعايشة المستمرة أو الوراثة فمثلا أصواتنا في الكلام الطبيعي فيها تشابه وهذا يؤكد أن أصواتنا متشابهة ولكن بالقطع كان للشيخ صديق إحساس مختلف عني أنا وأنا أختلف عن الشيخ محمد الذي مازال صوته يحظي بشعبية كبيرة رغم رحيله عنا منذ40 عاما.
ونحنابي وأخي ثم أنا ننتمي جميعا لمدرسة القراءة المصرية لكن نحن امتداد للشيخ أحمد ندا فقد كان والدي يردد علينا ذلك لأنه عاصره أثناء وجوده في القاهرة في بداية حياته للدراسة في الأزهر.. واعتقد أن القراء المصريين لهم ميزة واحدة ويتشابهون في أشياء عديدة حتي لو كانت هناك اختلافات ومرجع ذلك هو الأزهر الشريف, وأعتقد أن أحد أسرار المدرسة المصرية في القراءة القرآنية حفظ القرآن في الصغر من خلال الكتاب والاستمرار معها في الأزهر هو سبب قوة وتميز الصوت.. كلما نطق الصوت بالقرآن يزداد قوة ويزداد إنجلاء. ونجد أن قراءة القرآن تجعل الصوت ينطلق وتبعد عنه أي لعثمة وتجعله أكثر فصاحة. وحفظ القرآن في الصغر هو الذي يجعل اللسان من القاهرة والصعيد ووجه بحري يتشابه ويقوي حفظ القرآن فهو الذي جعل الشيخ مصطفي إسماعيل بهذا الشكل وميز الشيخ صديق المنشاوي وبعدين لازم نكون فاهمين حاجة مهمة أن صوت القاريء مثل الفأس كل ما تضربه في الأرض ينجلي ويحد. وهكذا الصوت كلما استعملته يقوي وينجلي وينفتح وهذا سر تميز الصوت المصري.. لأن لسان المصري تعود علي القراءة منذ الصغر..
وأعتبر أن القراءة القرآنية أصلها مصر وحتي القراء في السعودية تعلموا تلاوة القرآن علي يد المصريين وعندي حالات ولكني لا أذكرها.. كما أن معظم المصاحف التي سجلت في السعودية معظمها لم تجز هنا في مصر لأن اللكنات تؤدي لوجود أخطاء كثيرة في النطق. وعلينا أن ندرك شيئا مهما في تلاوة القرآن وهو من الأشياء التي عرفتها من أبي أننا لابد أن ندرك ونفهم واقع الآية والسورة وظروف الترتيل.. بمعني أن القاريء لابد أن يكون ملما بكل جوانب الآيات التي يقرأها ويعرف أبعادها جيدا وأضرب مثالا مع الفارق المخرج العملي التمثيلي مثلا الذي يخرج القصة أو السيناريو لازم يكون واعيا بالقصة والسيناريو حتي يستطيع أن يعبر عنه. وهكذا قاريء القرآن مع الفارق بالطبع عندما يكون واعيا بالآيات ووقوعها واحداثها فيخرجها إخراجا مثلما جاء به ربنا سبحانه وتعالي.
بمعني عندما أقرأ آية عذاب لابد أن أعطي الاحساس الخاص بها والذي يتماشي مع روح الآية ومن هنا يأتي النغم في القرآن عندما نشعر بالآية ونعرف ظروفها. يجعلنا نخرج موسيقي ربانية والموسيقي مأخوذة من القرآن ولكنها تظهر بشكل جميل عندما يكون القاريء عنده تذوق وإحساس لا يقول أي كلام. لأنه يدرك الاحساس الخاص بالآية في قراءته فينقل معناها للمستمع ويعطي الحروف حقها ويصورها حسب المشاهد الخاصة بها ومن هنا فإن الشعور بالآيات هو سر عذوبة الصوت لأنه ينقل الاحساس عندما يصل صوته لأذن المستمعين.
وأحيانا كثيرة تكون حالة الورع والتقوي كفيلة بأن تدفع القاريء الي أن ينقل جو الآية لأنه يحس بها بشعور رباني ومن هنا يأتي التجلي علي القاريء ويجد نفسه يعيش في حالة توحد تام مع تلاوة القرآن. وهو يقرأ لا يشعر بمن حوله. ويجعل الناس تذهب معه.... وأعتقد أن الشيخ صديق المنشاوي كانت علاقته بالناس ليست مجرد صوت قوي وجميل فقط يقرأ القرآن بل كانت هناك علاقة أخري تربطه بهم, لأن الناس كانت تحبه وتستمع له من سيرته وزهده معهم.. وكان ذلك سر تقبل الناس لي ولأخي المرحوم محمد لأنني أتذكر أنهم كانوا دائما يقولون أننا نستمع لأبناء الشيخ صديق وكانت محبة الناس له سرا.. فعاش من أجل القرآن كزاهد لم يفكر ولو للحظة ماذا سيحصل من التلاوة. سخر كل حياته لخدمة القرآن وسهر الليالي يقرأ متنقلا بين قري ومراكز الصعيد علي طول الوادي الممتد.. ليقر..أ لم يشأ القدر أن يسجل كثيرا من قراءته للقرآن حتي يستمع اليها الناس.. ولكني سأقوم بذلك قريبا بعد أن جمعت عدة تسجيلات واعيد توضيبها حتي يستمع الناس لصوته مثلما أستمعوا لصوتي وصوت شقيقي المرحوم محمد صديق المنشاوى
المصدر الاهرام المسائى الاعداد من 6716الى 6719
[/quote]